فى رسالة من الصديقة داليا دسوقى نقلًا عن اليسار الجزائرى نقرأ أوضاع مصر من خلال العالم:
«خمس سكان العالم يعيشون على أقل من دولار واحد يوميًا، خمس الأطفال فى الدول الفقيرة يموتون قبل سن الخامسة، متوسط الدخل فى أغنى٢٠ بلدًا فى العالم يساوى ٣٧ مرة متوسط الدخل فى أفقر ٢٠ بلدًا فى العالم». هذه الأرقام الصادمة هى مجرد نماذج على أوضاع الأغلبية من سكان هذا العالم الذى يتسم بدون أدنى شك بعدم العدالة وسوء توزيع الموارد.
وهى ليست ـ كما يحلو للبعض الترويج ـ أرقاما مبالغا فيها أو ادعاءات من مجموعة من المحرضين الاشتراكيين الراغبين فى تشويه صورة النظام الرأسمالى العالمي، بل هى فى الواقع أرقام صادرة عن مؤسسة من أعتى وأهم مؤسسات النظام الرأسمالى ذاته، ألا وهى البنك الدولي.
حيث أصدر البنك مؤخرًا تقريره السنوى عن التنمية فى العالم لعامى ٢٠١٠/٥٠١٥ بعنوان: «شن هجوم على الفقر». شهد إذن شاهد من أهلها، شهد شاهد من أهل هذا النظام ودعاته على قسوته ووحشيته ولا إنسانيته.
والتناقض فى توزيع الثروة هو الذى يفسر لنا التناقض بين الوفرة والفقر. فموارد العالم المختلفة التى يمكنها أن تكفى خمسة أضعاف سكانه، لا يتم توزيعها بشكل عادل. فنجد أن هناك أقلية تحصل على ما يزيد علي احتياجاتها بعشرات المرات، بينما الأغلبية لا تكاد تجد ما يكفى أبسط الاحتياجات الإنسانية.
ومع التطور فى العلم وفى الإنتاج قد يتوقع البعض أن يتراجع اللا تساوى بين البشر، إلا أن الواقع مختلف. فمعدلات اللا تساوى تتزايد بشكل مجنون مع مرور الوقت.
وهذا بالضبط ما حدا بشخص ككوفى أنان الأمين العام للأمم المتحدة ـ وهو شخص لا يمكن لأحد أن يدعى أنه من مناهضى الرأسمالية أو سياسات السوق الحر ـ أن يؤكد فى مقال نشرته له إحدي الصحف الإيطالية مؤخرًا أن كوكبنا قد أصبح مقسمًا بشكل يثير القلق بدرجات متزايدة.
يقول أنان: «إن جزءا كبيرا من شعوب العالم خارج السوق العالمية لا تستهلك ولا تنتج شيئًا يستحق الذكر، وتحتاج لمتطلبات هائلة، كما تحتاج إلى مصادر وخدمات شأنها كشأن أى شعب آخر، ولكنها لا تستطيع أن تدفع شيئًا لأنها لا تربح شيئًا… ومن المدهش أن أعداد الفقراء فى العالم هى نفس الأعداد التى كانت موجودة قبل١٥ سنة مضت، على الرغم من أن الثروة العالمية قد تعرضت لزيادة هائلة خلال تلك الفترة نفسها».
ويضيف أنان: «إن عالمنا زاخر بثروات تكفى لتقديم الغذاء لشعوب العالم بأسره وربما أكثر، كما أن الأمراض التى يعانى ويموت من جرائها الكثيرون فى جنوب العالم يمكن الوقاية منها وعلاجها، إلا أن المبالغ التى ترصد للأبحاث حول هذه الأمراض لا تزيد على ١٠٪ لأنها أمراض للفقراء».
لم يذكر أنان بالطبع ما المصادر الحقيقية لهذا اللا تساوى المفجع والصادم للحس الإنسانى البسيط. ولكن ذكره لهذه الحقائق يشير إلى القلق المتزايد، حتى فى أوساط بعض من سادة العالم، من التوحش المتزايد للرأسمالية العالمية فى ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية الواسعة النطاق، وفى ظل التسارع المجنون للنزعات الاحتكارية والاندماجية.
وبإجراء مقارنة بسيطة بين الدخول القومية لعدد من دول العالم وبين أحجام مبيعات بعض الشركات المتعددة الجنسيات، نستطيع أن نعلم إلى أى مدى وصلت درجة هيمنه الرأسمالية العالمية ـ التى لا يحاسبها أحد والتى لا تخضع لأى سلطة ديمقراطية أو شعبية ـ على مقدرات كوكبنا. فعلى سبيل المثال تحقق شركة واحدة ـ هى شركة «جنرال موتورز» العالمية ـ متوسط مبيعات سنوية يقدر بحوالي ١٦٤ مليار دولار، وهو ما يزيد على نصف الدخل القومى لكل دول إفريقيا جنوب الصحراء مجتمعة. أما شركة «فورد» العالمية، فتمثل مبيعاتها السنوية (١٤٧ مليار دولار) ما يزيد علي ثلاثة أضعاف الدخل القومى للمجر (١٠ ملايين نسمة)، وأربعة أضعاف الدخل القومى للمغرب (٢٨ مليون نسمة)، وعشرين ضعف الدخل القومى لإثيوبيا (٦٣ مليون نسمة)!!
وفى مقدورنا أن نورد الأمثلة بلا توقف. ففى عام ١٩٧٦ كانت سويسرا أغنى بـ٥٢ ضعف من موزمبيق، وفى عام ١٩٩٧ أصبحت أغنى بـ٥٠٨ أضعاف. وفى عام ١٩٦٠ كان ٢٠٪ من السكان فى أغنى دول العامل يحصلون على دخل يزيد ٣٠ ضعف عن دخل أفقر ٢٠٪ من السكان. ولكن فى عام ١٩٩٥ تضاعف الفرق بينهما ليصل إلى ٨٢ ضعف. ولعلنا نصدم إذا علمنا أن أغنى٢٢٥ شخصا فى العالم يملكون مجتمعين ثورة تقدر بما يزيد علي المليون مليون دولار أمريكي، وهو ما يوازى مجموع الدخل السنوى لنحو ٢،٥ مليار إنسان هم الفئة الأقل دخلًا من سكان الأرض، ويمثلون حوالى ٤٢٪ من سكان كوكبنا. ويمكننا أن نتخيل بالطبع ما يمكن أن تحدثه هذه الثورة من تحسين وتغيير فى حياة الملايين من فقراء هذا العالم.
وتؤكد المؤشرات الاجتماعية فى العديد من البلدان كيف أن الفقراء هم دائمًا الأكثر معاناة من نقص الخدمات الضرورية أو تدهورها. فعلى سبيل المثال فى جنوب إفريقيا بلغ معدل وفيات الأطفال دون الخامسة بين أفقر ٢٠٪ مثلى المعدل لدى أغنى ٢٠٪. ولا يختلف الوضع بالنسبة لسوء التغذية. فقد توصلت دراسة تناولت ١٩ دولة إلى أن التقزم، الهزال، ونقص الوزن أعلى بين الفقراء فى كل الدول تقريبًا. كذلك فانتشار الأمراض، وخاصة الأمراض المعدية، أعلى بالنسبة للفقراء، فى حين أن فرصهم فى الحصول على الرعاية الصحية غالبًا ما تكون أقل.
إن الشعار الذى تطرحه حركة مناهضة الرأسمالية التى تنتشر فى أرجاء الأرض كالنار فى الهشيم، هو شعار يلخص مأساة كوكبنا: فـ«عالمنا ليس للبيع».. عالمنا لا ينبغى أن يكون تحت رحمة حفنة من الرأسماليين والسياسيين الفاسدين الذين يتواطأون كل يوم على تعظيم وتوزيع ثرواتهم التى هى فى الحقيقة ملك لكل البشر.