لا شك أن الأحداث التى مرت بمصر خلال السنوات الست الماضية قد أسقطت الكثير من الأقنعة التى يضعها البعض على وجوههم القبيحة ليظهروا بها كملائكة رحمة يريدون إنقاذ الشعب من نير العبودية ومن ظلم الطغاة وشر الفاسدين، وراح هؤلاء يقدمون أنفسهم فى كل مناسبة باعتبارهم دعاة للحرية والديمقراطية، ويؤكدون أنهم يملكون صك الدفاع عن حقوق مصر المهدرة، وعن تاريخها وأرضها وتراثها ونيلها، وهم أيضا يملكون حلولًا سحرية لكل مشكلات الوطن المتراكمة منذ مئات السنين، ويستطيعون إذا جلسوا فى سدة الحكم أن يحولوا مصر فى غمضة عين إلى دولة عظمى، فأفكارهم العبقرية لم تصل إليها عقول من تناوبوا على حكمنا، وخططهم تقوم على دراسات علمية وإستراتيجية قاموا بها سرًا وبفهم ووعى لا يعرفهما أى مصرى آخر، والحقيقة أنك عندما تبحث فى سير هؤلاء ستكتشف كل ما هو مدهش ومذهل ومضحك، فأحدهم لم يستطع إدارة جريدة ويتطلع لإدارة وطن، والآخر لم يلمع اسمه فى قاعات المحاكم وظل محاميًا متواضعًا حتى سلك السياسة فراجت بضاعته وحقق شهرة لم يكن يحلم بها، والثالث يريد الاختباء وراء ستار السياسة هربًا من تنفيذ أحكام نهائية فى قضايا شيكات بنكية وديون لم تسد، وآخر يرى نفسه الشخص الذى لم ينل ثمن ما قدمه من خدمات لأجهزة مخابرات ولدول أخرى حين كان يعمل فى منصب دولى، وأن المكافأة التى يجب أن يتقاضاها هى حكم مصر، وإذن فجميعهم بلا استثناء يحلمون بكرسى الرئاسة، ويسعون بكل ما لديهم من قوة نحوه، وبعضهم يتملكه الوهم ويظن أن الشعب يريده ويتمناه حاكمًا، وربما يشرد لحظة فيأخذه خياله إلى حشد من الجماهير تهتف باسمه، ثم يصدق هذا الخيال خاصة حين يقنع نفسه بأن من أتوا بمحمد مرسى رئيسًا- وهو لم يكن معروفًا قبل الانتخابات بثلاثة أشهر- يمكنهم أن يأتوا به، وهو فى سبيل ذلك لا يمانع فى مد يده لأى تيار أو جماعة، وهو يغازلهم وينعتهم بالفصيل الوطنى، وقد يتحدث عنهم فى وسائل الإعلام الأجنبية، ويندد بما حدث فى رابعة مدينًا الحكومة والنظام، ولأن المصالح تتصالح فلا تتعجب حين ترى الناصرى يجالس الإخوانى ويريد التحالف معه، وإياك أن تصاب بالدهشة وأنت ترى الإخوانى وقد وضع يده فى يد عضو الحزب الوطنى المنحل، أو ترى الليبرالى يقف إلى جوار الثورى الاشتراكى، فالهدف واحد، وهو الوصول إلى السلطة، وبعد ذلك فلنتحاسب، وليقضى القوى على الأضعف، وقد تناقلت وسائل الإعلام خلال الفترة الأخيرة بعض الأخبار عن هؤلاء الذين يريدون تشكيل جبهة للدفع بمرشح واحد على منصب الرئاسة فى الانتخابات المفترض إجراؤها منتصف العام المقبل، وهم- حسبما نشر- يريدون الاتفاق على شخص واحد لدعمه والوقوف خلفه، ظنًا منهم أن الشعب الذى كشف ألاعيبهم وأسقط أقنعتهم سيقف إلى جانبهم، وأن مرشحهم المجهول حتى الآن سيحقق المفاجأة وسيصل إلى حكم مصر، وهذا الكلام العبثى يدل على عدم وعى من هؤلاء بالواقع المصري، ويدل كذلك على أن هؤلاء لم يدركوا الحقيقة بعد، فهم بلا ظهير شعبى على الإطلاق، ولا أحد يحبهم غير أعداد قليلة للغاية لا تمثل أى نسبة فى دنيا الأرقام، أما الغالبية العظمى من شعب مصر العظيم؛ فهى تريد الاستقرار بعدما ذاقت مرارة الفوضى من ٢٠١١ وحتي ٢٠١٣، وبعدما خاضت معركتها الشرسة ضد الإرهاب، وهى تحترم جيشها الوطنى وتؤمن بأنه الحامى لمصر بعد الله تعالي، وتثمن دوره الحالى فى البناء والتنمية، وهذه الغالبية العظمى من شعبنا تكره من تطاول يومًا على الجيش، وكم أتمنى أن يتفق هؤلاء على شخص واحد كما أرادوا، وأن يتقدم هذا الشخص للترشح أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى لكى يدرك هؤلاء جميعا مكانتهم الحقيقية عند شعب مصر الذى أسقط الأقنعة عن وجوههم فرأى القبح والخيانة والطمع، بل والفساد، فأحدهم ادعى الفضيلة لسنوات ثم أمسكت به الرقابة الإدارية وهو يتقاضى رشوة، وآخر يسهر كل ليلة فى بار أحد الفنادق الكبرى المطلة على النيل وحوله العرايا والساقطات وفى يده كأس الويسكى منتقدا عبدالفتاح السيسي، وهذا طبيب أسنان تحول فى غفلة من الزمن إلى روائى؛ فلما بدأت أحداث ٢٠١١ تحول إلى سياسى وصدق أنه من تسبب فى استقالة رئيس وزراء مصر وقتها، ويظن الآن أنه بتغريداته يستطيع أن يحرك الناس ضد رئيسهم، فيا هؤلاء لا تحاولوا.. لقد انتهى أمركم، ولن تجدى محاولاتهم إرضاء الغرب بالظهور فى قنوات عالمية ومهاجمة رئيس مصر، اصمتوا لأن الشعب لا ينصت إليكم، ولأنه لا يوجد فيكم من يصلح لحكم مصر، وتأكدوا أن أقنعتكم الزائفة قد سقطت أمام الشعب المصرى تماما مثلما سقطت الأقنعة عن وجوه من ادعوا الثورية فى ٢٠١١، حين أذاع الكاتب الكبير والنائب عبدالرحيم على مكالماتهم الهاتفية أثناء اقتحامهم جهاز أمن الدولة، هذه المكالمات التى فضحت وكشفت مخططات ٦ إبريل وبعض الشباب الذين أرادوا استغلال الموقف لينالوا قطعة من التورتة وهم مجموعة من مدعى الفضيلة.