قرار دولة الإمارات العربية باستحداث منصب وزير السعادة فى الحكومة الإماراتية أثار ردود فعل واسعة فى الأوساط الدولية والعربية، وبصفة خاصة الأوساط المصرية، وتمنى البعض وجود وزير للسعادة فى الحكومة المصرية، لأن غالبية الوزراء فى الحكومة بسبب سياساتهم وقراراتهم يجلبون الحزن والكآبة للمصريين.
فالوزير المصرى عندما يؤدى القسم الدستورى أمام رئيس الجمهورية قبل توليه منصبه يقسم على رعاية مصالح الشعب، ولكنه فى الحقيقة وفى السر يقسم على أن يجلب للشعب الحزن والكآبة، ونادرًا أن نجد ابتسامة على وجه أى وزير بالحكومة.
فغالبية الوزراء فى الحكومة المصرية الحالية أو الحكومات السابقة يعتقدون أن الابتسامة رجس من عمل الشيطان، ومن العيب الكبير أن يبتسم الوزير أو يظهر سعيدا أمام الكاميرات حتى لا تهتز صورته أمام الرأى العام وتضيع هيبته أمام المواطنين، ويفقد القدرة على إصدار القرارات الصعبة التى تسبب نكدًا للشعب.
وبعد مبادرة الإمارات باستحداث منصب وزير السعادة، أطلقت مبادرة جديدة باستحداث منصب وزير الذكاء الاصطناعى، ونحن هنا فى مصر ما زلنا ندرس ونفكر فى استحداث منصب وزير للصناعات الصغيرة أم لا، ووزير للتعليم الفنى أم لا، وسوف نظل ندرس ونفكر حتى تطلق دولة الإمارات مبادرة أخرى جديدة.
فإذا كانت مصر ليست فى حاجة إلى وزير للسعادة، وأيضا للذكاء الاصطناعى، فإننا فى أمس الحاجة إلى استحداث منصب وزير الضمير لأن المشكلة الحقيقية فى مصر ليست فى الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار، وليست فى تحدى الإرهاب والتطرف، ولكنها فى غياب الضمير ليس على مستوى المرؤوسين فقط، ولكن أيضا على مستوى بعض القيادات فى المناصب العامة للدولة.
فمن المعروف أن الضمير أو ما يسمى بالوجدان هو قدرة الإنسان على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، وبين الصدق والكذب، وبين الحلال والحرام، ويؤدى إلى الشعور بالندم والتوبة عندما يستشعر الشخص خطأ ما فعله، ويتحرك داخله إحساس بالتوبة والتراجع عن المسار الذى يسلكه.
فاستحداث منصب وزير الضمير فى الحكومة يعنى بصريح العبارة رسالة واضحة لجميع وزراء الحكومة أولًا، ولكل مسئول فى منصبه أن النجاح الحقيقى هو وجود ضمير حى ويقظ لدى كل وزير ومسئول، وأن الضمير هو الصديق الوفى الذى يحذرنا قبل أن يحاكمنا القاضى، وأن وزير الضمير يغنى عن وزير السعادة.
ولعل ماكينة التشريع الحكومى والبرلمانى التى تدور يوميا وباستمرار لإصدار وإعداد المزيد من التشريعات، خاصة العقابية تؤكد أن الضمير غائب لدى كثير من المصريين، وأن البعض لا يرفع شعار «خلى الضمير صاحى» فى جميع أفعاله وسلوكياته وأعماله.
فوزير الضمير عليه أن ينشر ثقافة جديدة لدى المصريين، وفى المقدمة منهم المسئولون جميعا كبارًا وصغارًا ألا وهى ثقافة الضمير أولا، والضمير قبل التشريع، وأن الشخص يمكنه غسل ثوبه، ولكنه لا يمكنه غسل ضميره وأن الضمير هو صوت الحق ولا سعادة تعادل راحة الضمير.
ومن المعروف أن الحكومة بطبيعتها ليس لها ضمير، ولكن لها سياسات وقرارات، وأن وجود وزير للضمير داخل الحكومة يعنى فى المقام الأول أن يكون لدى الحكومة ضمير وهى تصدر القرارات وتضع السياسات، وتقترح التشريعات لأن حكومة لها ضمير أفضل ألف مرة من حكومة بلا ضمير.