فور إعلان المجلس الأعلى للإعلام الانتهاء من مشروع قانون حرية تداول المعلومات وعرضه للحوار المجتمعى سارعت شركات حكومية إلى فرض مزيد من السرية على أعمالها متخذة ذريعة حماية الأسرار المهنية.
ولأن قانون حرية تداول المعلومات والمعايير الدولية وضع تعريفًا محددًا للسر المهنى وهو محمى لفترة من الزمن أو على أن يتم الاعلان عنه من قبل الهيئة أو الشركة إلا أن الشركات سارعت إلى إصدار ما يسمى مواثيق شرف للعاملين بها تلزمهم بالسرية التامة فى كل أعمالهم حتى بعد الخروج من الشركة تشمل هذه السرية عمله كله وكل ما يتعلق به سواء مباشرًا أو غير مباشر والحفاظ على المعلومات التى يلم بها مباشرة أو عن طريق غير مباشر…. الخ.
وهذه الوثيقة انتشرت فى قطاع مهم هو قطاع البترول إلا أنها تمنع الموظف من القيام بواجبه فى كشف الفساد خاصة وأن قطاع البترول والتعدين هو القطاع الثانى فى معدلات الفساد دوليًا وفق تقارير البنك الدولى وكانت مصر ترفض الانضمام إلى الاتحاد الدولى للصناعات الاستخراجية فى عهد مبارك لأنه يلزم الحكومات بالشفافية فى مجال إدارة الموارد الطبيعية من بترول ومعادن.
وهذه الوثيقة التى تطلب الشركات من العاملين فيها التوقيع عليها والالتزام بها وتحدد مهلة أسبوعًا لتوقيع جميع العاملين بها.. مخالفة لالتزام الحكومة المصرية بمكافحة الفساد وبدلا من تشجيع الموظفين على كشف الفساد وحماية المال العام نجد هناك من يريد إسكاتهم تحت زعم حماية السر المهنى.
ففى قطاع البترول معروف ما هو السر المهنى بصورة واضحة، فلماذا هذه الوثيقة الآن ولماذا الاستعجال عليها؟ كما يوجد ميثاق شرف للموظف المصرى وضعته وزارة التنمية الادارية منذ سنوات فلماذا لم يطبق هذا الميثاق؟ ولماذا تصدر وثيقة باللغتين العربية والانجليزية؟ ونلزم الموظف بالتوقيع عليها والا يعاقب.
هناك شىء غامض فى هذا الموضوع لأن الدول الأكثر فسادًا فى العالم هى الدول التى تفرض السرية على كل شىء ،والدول الأكثر فقرًا فى العالم هى الدول التى تهدر ثرواتها الطبيعية لأنها تضع فى قمة الهرم الوظيفى مجموعات من الفاسدين.
ووفقًا لقانون حرية تداول المعلومات والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وجب على الدولة وحكومتها وشركاتها أن تكشف للناس عن موازناتها وأعمالها وتصرفات موظفيها الكبار وثرواتهم ومدى تطورها، فالذى يستفيد من السرية ويعشق العمل السرى طرفان فقط هم الفاسدون والإرهابون فهؤلاء يكرهون الضوء والمكاشفة والمصارحة، وإن أردنا أن نتخلص من الفساد والإرهاب فعلينا الإسراع بإلغاء مثل هذه الوثائق التى لا تهدف إلا لحماية الفساد وأن تكون أعمال كل أجهزة الدولة فيها من الشفافية والعلنية ما يجعل المواطن واثقًا بأن الدولة تحارب الفساد بجدية وبسرعة وليس فقط مجرد شعارات وأن نلزم الموظفين بالميثاق الذى وضعته وزارة التنمية الادارية.