أشرت فى مقال الأسبوع الماضى إلى أن «الفساد والإرهاب» وجهان لعملة واحدة، وتساءل البعض ما هي العلاقة بينهما؟، وما هي إلا ساعات بعد نشر المقال إلا ووقعت الجريمة التي من المستحيل أن تمحي من ذاكرة المصريين ووجدان الشعب، وهي جريمة الاغتيال الجماعي للمصريين المسلمين داخل مسجد الروضة بالعريش وهم يؤدون صلاة الجمعة المقدسة التي ذكرت في القرآن في سورة باسمها هي سورة الجمعة «(الآية/ 9) «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون». فالله سبحانه وتعالى خاطب المؤمنين فقط وميزهم، ومعنى ذلك أن الذين ذهبوا لأداء صلاة الجمعة هم «المؤمنون» ومن يقتل المؤمنين الذين ناداهم الله في القرآن، بماذا يوصفون؟! ألا يوصف القتلة، بالكفار حقًا؟؟
إن هذه الجريمة محنة كبيرة يواجهها الشعب المصري وقيادته، من حيث عدد الذين استشهدوا (305)، وعدد المصابين (130)، وهو الأكبر في الخسائر البشرية في العمليات الإرهابية في آخر عشر سنوات. كما أنها محنة كبيرة من حيث الشكل الذي تمت به هذه الجريمة. فهي نتاج الفكر التكفيرى، وفكر ابن تيمية وآخرين، الذي سمح لهؤلاء بتوصيف قسم من الصوفية بأنهم كفار على خلفية هذا الفكر المتعفن، الذي لم نبذل الجهد الكافي لمواجهته وحرقه في أذهان الناس، تفاديًا لانتشاره، والعمل به من خلال جماعات متطرفة إرهابية. كما أنها محنة كبيرة, حيث أتت بعد استضافة إعلامي معروف، إرهابيا كان وراء قتل (16) من خيرة جنود مصر من الشرطة، ذهبوا في مهمة لإبعاد الإرهاب عن الناس سعيًا لأمانهم، فإذا به يكون ضيفًا يجلس على المنضدة يبرر لأفعاله الإجرامية وأصولها الفكرية!
أليس قسط كبير من الإعلام يمارس فسادًا بدعم الإرهابيين بتوفير منصة إعلامية لشرح وتبرير أفكارهم بعد أن يرتكبوا الجرائم؟! هل مكان هذا القاتل هو استضافته إلى منصة إعلامية، أم إلى منصة المقصلة لإعدامه وبسرعة ليكون عبرة لغيره، وليس محرضًا على شرح أفكاره لتوصيلها إلى آخرين؟! وكذلك أليست هذه الجريمة التي تتسم بالبشاعة، ترجمة لمقولة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق (موشيه يعالون)، الذي قال فيها: «ليس من المتعة أو السياسة أن تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر! وهذه هي سياستنا الجديدة: أن نشكل ميليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء»!! أليس هذا إذن هو العدو الصهيوني، أن نقتل أنفسنا بأنفسنا، ويكون هو الرابح، وليس بمستبعد وفقًا لهذه المقولة، أن تكون إسرائيل وراء الحادث، كما لا يستبعد أطراف أخرى في مقدمتها الإخوان الإرهابيون بالطبع.
تلك هي المحنة وراء هذه الجريمة البشعة، فماذا عن المنحة؟
– إن الإرهاب لا دين له، فلم يميز بين حرق الكنائس وقتل المسيحيين، وبين المسجد وقتل المسلمين في صلاة الجمعة المميزة عند الله والمسلمين، ومن فرط بشاعتهم قتل (27) طفلاً كانوا في المسجد بصحبة آبائهم لأداء الصلاة.
– إن الإرهاب يستلزم المواجهة الشاملة في جميع الميادين، وليست المواجهة الأمنية فحسب، وقد دعونا لبرامج توعية شاملة في المدارس والجامعات، فضلاً عن المناهج.
– إن مقاومة الفساد هي جزء من مواجهة الإرهاب، فتجفيف المنابع المالية وغلق مصادر التمويل للإرهابيين، أحد أهم آليات المواجهة وهنا فلنشيد بالسيد النائب العام عندما أعلن خلال الأيام السابقة عن كشف شبكة فساد وتخابر مع تركيا وعددهم (29)، كانوا يمولون الإرهاب عن طريق تمرير المكالمات بالمجاني، ولتنفيذ أجندات إرهابية تركية. كما أن الإمساك بأصحاب النفوس الضعيفة المتآمرين الذين يسهلون نقل المعدات والأسلحة لهؤلاء الإرهابيين لتنفيذ جرائمهم، هو ضرب للفساد والإرهاب.
وأخيرًا فإن هذه الجريمة رغم بشاعتها، لا تجعلنا نكل أو نتراجع عن المواجهة الشاملة للإرهاب وليس للإرهابيين فحسب، وهنا فإننا نعول على المجلس القومي لمواجهة الإرهاب أملاً كبيرًا في القيام بواجبه المنوط به، لنتحول من المحنة إلى المنحة بإذن الله.