أدعو السيد الرئيس إلى إصدار تكليفات موازية، للتكليفات التى صدرت عنه، صباح أمس، إلى الجيش وإلى الشرطة.. فالتكليفات إليهما طلبت استعادة الأمن إلى سيناء خلال ثلاثة أشهر.. ولكننا يا سيادة الرئيس فى حاجة إلى تكليفات رئاسية موازية من نوع مختلف على مستويات أربعة!
وهى موازية، لأنها لابد أن تتحرك مع الجيش والشرطة، بالتوازى.. وهى من نوع مختلف، لأن حركة الجيش والشرطة تظل عسكرية أمنية بطبيعتها، وتظل مطلوبة، ومهمة، وضرورية طبعاً.. ولكن هناك حركة أخرى فى مقابلها نفتقدها على مستوى الثقافة، ومستوى الفكر، ومستوى الفن، ومستوى التعليم!
ولو أن تعليمات صدرت من الرئيس إلى الذين عليهم أن يتحركوا على هذه المستويات الأربعة، بالتوازى مع الجيش، ومع الشرطة.. فالدنيا قطعاً ستختلف!
وإلا.. فهل من المعقول أن تقتصر الحركة على مستوى التعليم، على ما قرأناه صباح أمس فى هذه الجريدة، عن صغار فى مدرسة فى دمياط، بدا كل واحد منهم مُلثماً، وفى يده رشاش، وهو يؤدى مع زملاء له أطفال مشهداً تمثيلياً لما جرى فى مسجد الروضة؟!
مَنْ قال إن وزارة التعليم يمكن أن تتعامل مع مذبحة المصلين بهذا السُخف؟!.. لم يكن الأمر فى حاجة لأكثر من دقيقة يقفها تلاميذ المدارس بامتداد الجمهورية، حداداً على أرواح ٢٥ تلميذاً و١٥ مدرساً من بين أبناء قرية الروضة، سقطوا شهداء فى المذبحة!.. وكان الأمر، ولايزال، فى حاجة إلى تنظيم زيارات متتالية، من مختلف مدارس المحافظات، إلى الروضة القرية، وإلى الروضة المسجد، وإلى الروضة المدرسة، ليشعر أبناؤها بأنهم ليسوا وحدهم، وبأن زملاء لهم يقفون معهم على أرض واحدة!
الجيش قادر بفضل الله، ثم بفضل رجاله، على التعامل مع الإرهاب المتستر بالدين، بما يستحقه من معاملة.. ومع الجيش تقف الشرطة يداً بيد.. غير أن الحركة من جانبهما لابد أن تكون على أرض مُمهدة، ومُهيأة، ومُجهزة.. ولن تكون الأرض أمامهما بهذه الصفات، إلا بتعليم يعرف كيف يضىء الطريق أمام الناس، ويدرك أن التعاطف مع شهداء ومُصابى الروضة، لا يكون بمشهد تمثيلى سيئ من نوع ما جرى فى مدرسة دمياط!
وأما الفن.. فهل من المعقول أن تفتتح مصر مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، قبل أيام، فلا يكون لمصر فى المهرجان فيلم واحد؟!.. هل يليق هذا ببلد له فى تاريخ سينما المنطقة علامات؟!.. ومنذ متى كانت السينما عندنا على هذه الدرجة من الغياب المخيف عن قضايانا الأهم؟!.. ومَنْ المسؤول عن هذا الوضع المؤسف؟!
وهل من الجائز أن يكون هذا هو حجم معركة البلد مع الإرهاب، ثم تكون مسارحه فى عدد كبير منها مغلقة، ومُطفأة الأنوار، ومُسدلة الستائر؟!
وهل من المقبول أن تكون هذه هى مساحة حربنا مع العنف الذى يتستر بالدين، ثم نقرأ عن أن دار شرقيات التى روّجت على مدى سنوات، للكثير من الأفكار المُضيئة، تغلق أبوابها، لأنها غير قادرة على الاستمرار؟!
إذا لم يذهب دعم الدولة فى هذه اللحظات إلى السينما، والمسرح، والكتاب، فإلى أى مكان سيذهب؟!.. إن من شأن العمل الهادف فى المدرسة، وفى المسرح، وفى السينما، وفى دار النشر، أن يُشع نوراً.. والإرهاب يهرب من أماكن النور، لأنه لا يعيش إلا فى الظلام!
التكليفات الموازية، والمحددة، ضرورة يا سيادة الرئيس!