من يتابع اتجاهات الرأى العام المصرى بشكل خاص، والعربى بشكل عام، تجاه قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. يشعر وكأن الأمر قد حدث مفاجأة دون أى سابق إنذار، أو كأننا لا نتوقع اتخاذ مثل هذا الإجراء الذى ظل لعدة سنوات محل جدل بالتركيز عليه والمطالبة به تارة، وبتأجيل اتخاذه لضمان استمرار عملية السلام تارة أخرى.
ظهر ترامب لأول مرة محدداً خطابه بدقة حتى لا يخرج تفسير مفردات كلماته عن المقصود، ولكى لا يورط إدارته فيما ليس لها. وهو موقف جميع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ممن لهم صلة بتلك القضية. وهو ما يؤكد موقفهم الثابت من الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل ضمنياً.
يزايد البعض على مصر بقيادتها وجيشها.. منتظرين رد الفعل للوقوف أمام الولايات المتحدة الأمريكية وأمام إسرائيل. ولا أستطيع أن أبرر التناقض فى المواقف بين الهجوم على النظام المصرى ووصفه بشتى مصطلحات التكفير والتخوين، وفى الوقت نفسه تتغير (نغمة) الحديث الآن لمحاولة دفع الجيش المصرى للمواجهة.
تناسى العديد من الأطراف الجهود المصرية المتقدمة منذ ما يقترب من 40 عاماً من أجل التوافق وفرض السلام. وتناسوا تعنتهم وتمسكهم بغلق أبواب المفاوضات، ثم فى مرحلة لاحقة عدم الالتزام بالاتفاقات والمعاهدات. وينتهى الأمر بأن حركة حماس تقود لواء الجهاد فى المنطقة العربية لتعلن موقفاً محدداً.. بعيداً عن أى حركة حقيقية أو موقف واضح من قضيتهم الفلسطينية أو فى شكل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. وأصبح من الواضح تراكمياً من خبرة المواقف السياسية أن هناك أطرافاً داخل فلسطين وخارجها.. تستحسن بقاء الأزمة الفلسطينية بهذا الشكل.
الجديد فى أمر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه أول رئيس أمريكى يتخذ قرار الإعلان عن نقل السفارة بهذا الشكل دون إلزام الولايات المتحدة الأمريكية بأى التزامات سياسية لأنه فى نهاية الأمر مجرد خطاب رسمى، وليس اتفاقية ملزمة حرفياً. بل ويطرح خطاب ترامب العديد من المشكلات المعلقة على غرار: موضوع الحدود والسيادة الوطنية لأرض محل نزاع وقضية قطاع غزة، كما لم يشر خطاب ترامب بوضوح للقدس التى تحدث عنها سواء كانت القدس الشرقية أم القدس الغربية.. لما لهذا الأمر من أهمية تخضع للمفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية.
قضية القدس.. قضية سياسية فائقة الحساسية، وهو ما يلزم بدقة التعامل سواء فى التصريحات أو المعلومات أو المفاوضات أو المواقف التى يمكن أن تحقق نتيجة ملموسة لصالح الشعب الفلسطينى بعيداً عن أى شكل من أشكال التوظيف لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
نقطة ومن أول السطر
متى يتوقف جهاد الفضائيات لمن ينتمون زوراً وبهتاناً للمؤسسة الدينية؟ ومتى يتوقفون عن تحميل مصر «فاتورة» أخطاء غيرها؟ ألا يكفى ما تحملته مصر بشعبها واقتصادها لسنوات طويلة بسبب دفاعها عن قضية عادلة.. يستثمرها أصحابها لتحقيق مصالح شخصية ومكاسب مالية وزعامة افتراضية؟