تعامل مصر مع قضية سد النهضة برشد ونضج ودبلوماسية، في مواجهة مراوغة وتناقض واستفزاز إثيوبيا.. لا يعنى ضعف الموقف المصري أو التفريط في نقطة مياه واحدة من مياه النيل، ولا يعنى أيضًا أن إثيوبيا يمكن أن تفرض سياسة الأمر الواقع على مصر لأسباب كثيرة يمكن طرح بعضها في هذه السطور.. ولكن الأهم أن يكون لدى المصريين قناعة ويقين أن مصر لديها قائد ومؤسسات ومن خلفهم الشعب لديهم القدرة على كسب أكبر المعارك طالما كانوا في رباط وتماسك وتلاحم.
ولعل تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس الأول خلال افتتاح المنطقة الصناعية بالروبيكي وتلميحاته بخصوص سد النهضة بسبب انشغال الرأي العام المصري بهذه القضية الحيوية، يشير بجلاء إلى أن مصر تقف على قدمين ثابتتين في هذه القضية التي تحتاج إلى حكمة وحنكة وصبر بسبب تشابك الأطراف الاقليمية والدولية بها.. وكعادته في توجيه إشارات لمن يفهمها عرج الرئيس على هذه القضية لطمأنه المصريين على مصدر حياتهم وتحذير البعض من العبث مع الأسد في طعامه.. ومع أن رسائل الرئيس كانت سريعة ومقتضبة، إلا أن المعاني العميقة في كلماته ونظراته وتعبيراته تؤكد على معاني عميقة في قدرة مصر على حسم هذه القضية وغيرها من القضايا التي يمكن أن تهدد الأمن القومي المصري وقطع كل الأذرع التي يمكن أن تمتد لمصر بسوء.
قد لا يدرك البعض أن موقف مصر الآن في قضية سد النهضة أفضل مما كانت عليه قبل عدة أشهر لأن المخاوف والهواجس المصرية من النوايا الإثيوبية في العمل بشكل أحادي طوال كل فترة المفاوضات، قد تحقق بالفعل وتأكد أن المراوغات الإثيوبية لم تكن إلا بسوء نية لعملية ملء وتخزين المياه، وأن كل التصريحات الإثيوبية كانت كاذبة أمام مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي، وجاءت عملية التهليل والزهو من قبل المسئولين الإثيوبيين قاضيًا على مصداقية الدولة الاثيوبية، وهو من المؤكد يحقق لمصر مكاسب هائلة أمام المنظمات والمجتمع الدولي.. بل ويؤكد حق مصر في اتفاق ملزم فنيًا وقانونيًا وطبقًا للمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات في شأن الأنهار الدولية بعد أن ثبت كذب وخداع النظام الإثيوبي وتهديده للسلم والأمن الدوليين.. وعلى جانب آخر فإن ما قامت به إثيوبيا من خطوات أحادية وطبقًا لخبراء المياه لا يمثل خطورة حاليًا على مصر، وتأثيره المباشر يحتاج من عامين إلى ثلاثة أعوام، بما يؤكد أن مصر لديها الوقت لاتخاذ كافة الإجراءات لحماية حقوقها، وهذه ليست دعوة للتراضي وإنما لاطمئنان المصريين وعدم الانجراف خلف حملات التضليل التي تهدف لترويعهم.
في المقابل فإن عملية الخداع والتضليل التي قامت بها إثيوبيا وتوقعتها مصر، أنتجت تأثيرًا مباشرًا على السودان أثناء فترة التخزين، ورأينا انحسار المياه في السودان وتضرر المزارعين بعد أن غاب عنهم الفيضان الذي ينتظرونه كل عام بسبب وجود السد على بعد 20 كليو مترًا فقط من حدود السودان وهو الأمر الذي شكل ضررًا بالغًا للسودان، ووضعهم على المحك في هذه القضية التي سبق ورأينا فيها مواقف رمادية ومتضاربة من بعض المسئولين السودانيين.. ولكن بعد أن وقع الضرر وباتت هناك خطورة شديدة على السودان وثروته الزراعية والحيوانية وكل الأنشطة المرتبطة بالفيضانات ومياه النيل تغير الموقف السوداني، وأيقن أن كل الوعود الإثيوبية وغير الإثيوبية لن تعوض السودان عن خسائره الفادحة، كما أن موقف النظام السوداني السابق «الإخواني» قد أضر بالسودان عندما سار خلف التوجهات والإغراءات التركية والقطرية.
باختصار.. مصر الآن في موقف أقوى وأصبح من حقها اتفاق ملزم بعد أن تكشفت النوايا الإثيوبية وانهارت مصداقيتها أمام العالم، كما أن تغير الموقف السوداني يصب في مصلحة مصر.. ويبقى الأهم وهو ثقة المصريين في قيادتهم، وعدم الانجراف خلف الشائعات والسموم التي توجه إلى الداخل المصري بهدف الإحباط والتخويف وإعاقة صعود الدولة المصرية.
حمى الله مصر من كل سوء.. وكل عام وأنتم بخير.
نائب رئيس الوفد
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية