قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ أيام، منتقدًا موقف إثيوبيا المتشدد من مفاوضات سد النهضة ، إن مصر قد تعمد إلى «تفجيره» لأنها «لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة».
وأضاف:«سينتهى الأمر بالمصريين إلى تفجير السد.. قالوها ويقولونها بصوت عالٍ وواضح: «سيفجرون هذا السد.. وعليهم أن يفعلوا شيئا».
وأضاف ترامب: «كان ينبغى عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بدايته ولكن هذا لم يحدث لأن مصر كانت تشهد اضطرابا داخليا عندما بدأ مشروع سد النهضة الإثيوبى عام 2011..لقد أعددت لهم اتفاقًا، لكن إثيوبيا انتهكته للأسف، وما كان ينبغى عليها فعل ذلك. كان هذا خطأ كبيرا».
هذا ما قاله ترامب نصًا.. وهو كلام صادر من رئيس أكبر دولة في العالم… وما نريد مناقشته الآن هو رد فعل كل من مصر، وإثيوبيا، عقب صدور هذه التصريحات التي قالها ترامب في اتصال هاتفي مشترك مع رئيسى وزراء السودان وإسرائيل، بحضور الصحفيين الذين نقلوا تصريحات ترامب حرفيًا!
أولًا.. إثيوبيا كان رد فعلها عصبيًا وعنيفًا، ورغم عدم واقعية رد الفعل، إلا أن العصبية كانت تقود الموقف الرسمى الإثيوبي عندما أكد مكتب رئيس الوزراء آبى أحمد في بيان انفعالي:«رفض إثيوبيا لـ«التهديدات العدائية» من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، الخاصة باحتمالية انتهاء النزاع حول سد النهضة بتفجيره، وتأكيده دعم واشنطن للموقف المصرى المطالب بتسوية عادلة تحافظ على حق الحياة للمصريين كما تضمن حق الإثيوبيين فى التنمية».
وذكر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، في بيان نشره، صباح السبت، طبقًا لما نشرته صحيفة الشروق، أن إثيوبيا مستمرة في بناء السد، وجاهزة للرد على أي اعتداء يمس سيادتها.
وزعم أنه بالتزامن مع مواصلة عملية بناء السد، سيتم العمل على إيجاد حل للأزمة المتنازع عليها، على أساس الثقة المتبادلة والاستغلال العادل والمنطقي لموارد نهر النيل.
وأشار إلى قدرة الاتحاد الإفريقي على حل مشكلاته بنفسه، دون تدخل من أى طرف، واصفًا تصريحات الرئيس الأمريكى بغير البناءة.. وأوضح أن الشعب الإثيوبى جاهز للدفاع عن سيادته وحماية مخططات الدولة للازدهار.
تمام.. كلام ثلثه الأول عصبي، وثلثه الثاني جميل.. وختامه للاستهلاك الشعبي.. لكن إثيوبيا في نفس اليوم واصلت رد الفعل العصبي، حيث استدعت وزارة الخارجية الإثيوبية السفير الأمريكي لدي إثيوبيا مايك راينور، السبت، على خلفية تصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة حول سد النهضة.
ووفق بيان صادر عن الخارجية الإثيوبية، نشره موقع مصراوى، تم استدعاء الدبلوماسي الأمريكي للحصول على توضيحات بشأن تصريحات ترامب خلال مكالمة هاتفية أجراها مع رئيسَى وزراء السودان عبدالله حمدوك، وإسرائيل بنيامين نتنياهو.
في ظل هذه العصبية الإثيوبية، كانت مصر هادئة تمامًا، وقد يفسر البعض هذا الهدوء، باعتبار تصريحات ترامب تصب في صالح مصر، ولكن الحقيقة، أن مصر منذ 2014 تتعامل بهدوء شديد مع الملف، في محاولة للوصول إلى حلول سلمية وعادلة، وسوف تلاحظ أن مصر لم يصدر عن المسئولين فيها أي تصريح تعليقًا على كلام ترامب، لأن ضبط النفس هو سياسة مصر في هذا الملف تحديدًا، والحديث عن الحرب لم يرد إطلاقًا فى خطاب مصر الرسمى، لأنه خيار ليس سهلًا، وإن كان واردًا للحفاظ على الحياة!
طبقًا للجهات الرسمية، والمؤسسات المعبرة عن الموقف السياسي الرسمي نستطيع تلخيص اتجاهات مصر السياسية فيما يتعلق بملف سد النهضة، والذي نشرته الهيئة العامة للاستعلامات، في الآتى:
♦ الاعتماد على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رؤساء الثلاث دول مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015 بوصفه ملمحًا هامًا من ملامح التعاون وبناء الثقة بين الدول الثلاث.
♦ وحدة الهدف والمصير بين دول حوض النيل الشرقى «مصر والسودان وإثيوبيا»، والتركيز في المناقشات على أساس المنفعة المتبادلة بعدم الضرر والعمل على تحقيق المصلحة للجميع.
♦ تمسك مصر بحق شعبها المكتسب والتاريخي في مياه النيل مع حرصها في الوقت نفسه على استمرار دعم مختلف جوانب التنمية في منطقة حوض النيل.
♦ حث الأطراف على ضرورة تحقيق تطلعات قيادتنا وشعوبنا وإعطاء مثال للعالم أجمع أن المياه تعد حافزا للتعاون وبناء الحضارات وليست مصدرًا للصراعات.
♦ التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن بشأن سد النهضة، على نحو يمكن إثيوبيا من تحقيق التنمية الاقتصادية التي تصبو إليها وزيادة قدراتها على توليد الكهرباء التي تحتاجها، أخذًا في الاعتبار مصالح دولتي المصب مصر والسودان، وعدم إحداث ضرر لحقوقهما المائية.
♦ العمل بكل عزيمة مشتركة على التوصل إلى اتفاق بشأن المسائل العالقة وأهمها القواعد الحاكمة لملء وتشغيل السد، وذلك على النحو الذي يؤمن لمصر والسودان مصالحهما المائية ويتيح المجال لإثيوبيا لبدء الملء بعد إبرام الاتفاق.
♦ حتمية بلورة اتفاق قانوني شامل بين كل الأطراف المعنية حول قواعد ملء وتشغيل السد، ورفض الإجراءات المنفردة أحادية الجانب التي من شأنها إلحاق الضرر بحقوق مصر فى مياه النيل.
الخلاصة.. مصر تمارس سياسة ضبط النفس في هذا الملف..ولكنها ليست عاجزة عن حماية حقها ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي اعتداء على حياة مواطنيها.
tarektohamy@alwafd.org
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
t – F اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية