ترحيب الاتحاد الأوروبي بعودة المفاوضات بشأن سد النهضة، يعنى أن هذه النهضة لها تبعات هامة وخطيرة ليس فقط على دول حوض النيل وشرق أفريقيا. وإنما أيضا على المصالح الأوروبية في القارة السمراء.
وإذا كان البيان الرسمي للاتحاد الأوروبي قد أكد أن عودة المفاوضات تشكل فرصة مهمة للتقدم نحو الاتفاق على قواعد ملء سد النهضة. والتوصل إلى حل للخلاف بين الدول الثلاث حول قواعد الملء. والتشغيل لتحقيق الاستقرار في دول حوض النيل بدلاً من تأجيج التوترات.. والواضح من فحوى ومعنى البيان أنه موجه بالدرجة الأولى إلى الدولة الإ ثيوبية التي تقوم ببناء سد وملئه بصورة أحادية. وبالمخالفة للقانون الدولي المنظم لعملية بناء السدود على الأنهار الدولية، وبالمخالفة أيضا لاتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في السودان عام 2015 بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس السوداني ورئيس وزراء إثيوبيا.
والواقع أن نجاح المفاوضات التي بدأت قبل أيام بدعوة من جنوب أفريقيا – رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي – واجتماع وزراء الخارجية والمياه للدول الثلاث. مرهون بالارادة والرغبة الحقيقية من جانب إثيوبيا في الانتهاء إلى اتفاق عادل يراعى مصالح الدول الثلاث. وطبقا لاتفاق إعلان المبادئ الذي وقعت عليه إثيوبيا. ومازالت تراوغ فى تنفيذه حتى لا يكون هناك اتفاق قانوني ملزم للأطراف الثلاثة يحدد قواعد ملء وتشغيل السد. وأيضا الآلية القانونية لفض المنازعات في حالة مخالفة الاتفاق.
والواضح أن إثيوبيا قد كشفت عن نواياها الخبيثة في هذه القضية في جولات كثيرة سابقة، سواء برفضها أن يكون الاتفاق بين الدول الثلاث برعاية دولية وايداع الاتفاق الأمم المتحدة وتجلى ذلك في هروبها من التوقيع النهائي الذي تم التوصل إليه في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في إطالة أمد المفاوضات بالمراوغة والمماطلة لكسب مزيد من الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع، وهو أمر بات مفضوحًا أمام المجتمع الدولي.
ومما لا شك فيه أن حالة عدم الاستقرار في إثيوبيا، والصراعات العرقية المتنامية بها لها تأثير مباشر على قضية السد التي باتت قضية تم تسييسها في الداخل الإثيوبي لدغدغة مشاعر الشعب وشغله واستمالته بهذه القضية، على غرار ما حدث في مصر لمشروع النهضة التي سوقته جماعة الإخوان لتضليل الرأى العام، ومثل هذا الأمر يعيق عملية التفاوض ويدفع إثيوبيا للهرب من مسئولياتها القانونية والدولية في قضية هي أول من يعلم أنها قضية يحكمها القانون الدولي، ولا تحتمل العبث مع دولة بحجم مصر وتعى تحركاتها وحساباتها السياسية جيدًا وعندما لجأت إلى مجلس الأمن كانت تهدف إلى دخول الاتحاد الإفريقي طرفًا في المفاوضات قبل العودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى في حالة فشل المفاوضات من جديد، بهدف وضع المؤسسات الدولية أمام مسئولياتها والحفاظ على الحقوق المشروعة لمصر والسودان طبقًا للاتفاقيات الدولية واتفاقية الأنهار الدولية.
باختصار.. إذا كانت مصر قد أكدت حسن نواياها على مدار عشر سنوات من المفاوضات ومن خلال توقيع اتفاق إعلان المبادئ. والصبر على المراوغة والمماطلة الإثيوبية. والمساهمة في كثير من المشروعات الاستثمارية والصحية والتعليمية للشعب الإثيوبي.. فهذا لا يعنى أن مصر يمكن أن تفرط في حق من حقوقها. ولا يعنى تنازلها عن نقطة مياه واحدة من حصتها المائية، ويجب على إثيوبيا أن تعى أن مصر هبة النيل. وأنه شريان الحياة للشعب المصري بأكمله وأن هذه القضية تحديدًا هي قضية حياة أو موت للشعب المصري. وأن المزيد من المماطلة والمراوغة تزيد من احتقان الشعب المصري وربما تدفعه إلى حلول بديل وموجعة لإثيوبيا.
حمى الله مصر من كل سوء.
نائب رئيس الوفد
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا