بقلم – إيمان عبدالمؤمن
من الصعب أن نُفكِّر دون أن نقلد، ونَصْدُق دون أن نكذب، ونكون أُصولاً لا نسخًا مكررةً من آخرين؛ فتشابه الجميع فى كلِّ شىء؛ المظهر، والكلام، والسلوك، والأفكار، حتى فى الملامح، وشكل البيوت، والشوارع، والمدن، فلا جديد، ولا وجود، ولا أثر.
لم تلتفت «كوكو شانيل»- أيقونة الجمال والموضة العالمية فى بدايتها- لسخرية وضحك وتجريح الجميع حولها، بل قررت أن تذوق عمرًا أجمل، حين عاشت نفسها، ولم تشبه أحدًا.
رحلت والدتها وعمرها ١٢ سنة، وتخلى عنها والدها، وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ بحثًا عن المال، فقاست كثيرًا فى ملجئ للأيتام، حتى أصبحت مغنية مغمورة، ثم مارست «الخياطة» فيما بعد فى إحدى دور الأزياء الفرنسية.
اجتهدت فى عملها، وكافحت بشدة، حتى فتحت أول محل لبيع القبعات بعد تعرفها على ثَرِى، ساعدها على توسيع أعمالها من القبعات إلى الأزياء.
بنت كيانًا عملاقًا للأزياء النسائية الراقية والمختلفة تمامًا عن السائد فى عشرينات القرن الماضى، واسمته «شانيل»، وقصت شعرها، وارتدت الجميل، والمريح، والمناسب، وتصرفت، وتكلمت بطريقتها الخاصة، فغيرت كل الدنيا.
ثارت على كل الأعراف والتقاليد المألوفة، حينما رسمت خطًا واتجاهًا جديدًا تمامًا فى عالم الموضة، فحررت كل نساء عصرها من ارتداء الكثير من الملابس باهظة التكاليف، والاكسسوارات الكبيرة، والفساتين الطويلة، والثقيلة، والضيقة، ومشدات الخِصْر والصَّدر، فأدخلت لأول مرة البنطال، والملابس البسيطة والمريحة والواسعة التى يمكن ارتداؤها فى كل الأوقات.
أول من أطلقت عطرًا خاصًا بها الأكثر شهرة فى العالم حتى الآن – عام ١٩٢٢، وأسمته «شانيل رقم ٥»؛ لأنه العطر الخامس الذى اختارته من بين المقترحات التى قدمت لها، والمتوافق مع رقم الحظ لديها، وقد أصدرته فى اليوم الخامس من الشهر الخامس، واختارت له زجاجة عادية رخيصة؛ ليركز الناس على رائحته، وليس شكل الزجاجة.
تميز العطر باحتوائه على شذا عدة زهور، فالمعتاد أن يصنع العطر من زهرةٍ واحدةٍ فقط، لكنها غيرت ذلك، فجعلت إمكانية اكتشاف مكوناته أمرًا مستحيلاً، وما يزال عطرها رمزًا للأنوثة المطلقة، والأكثر مبيعًا حول العالم منذ تاريخ تصنيعه.
ابتكرت فكرة الفستان الأسود القصير، وعرضته عام ١٩٢٦، والذى أصبح قطعةً عصريةً، وأساسية فى «دولاب» كل سيدة حتى الآن، وقدمته بموديلات متنوعة وأنيقة، مع الحفاظ على قصته المريحة والبسيطة، وقد لاقى شعبية كاسحة ومازال فى فرنسا وكل العالم، ولم تغير أبدًا فى تصميمه على مر السنين، كما فعل الكثيرون من المصممين.
عرفت «شانيل» – المولودة فى ١٩ أغسطس عام ١٨٨٣ – بأكثر النساء أناقة وروعة فى أزيائها وإكسسواراتها، وكل مقتنياتها، وما تزال رمزًا للأزياء الراقية، وعطرها هو الأكثر شعبية، الذى يقبل الناس على شرائه حتى الآن.
صنفتها مجلة «التايم» الأمريكية « واحدة من أهم ١٠٠ شخصية عالمية، والأكثر تأثيرًا فى القرن العشرين.
من الحقائق المثيرة أنها كانت ترش عطرها «شانيل» فى كل أرجاء منزلها، للتمتع إلى أقصى حد، والرغبة فى إحاطة نفسها بالأناقة، والاستمتاع بإنجاز عملها الشاق، وتذكره طوال الوقت.
كشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن أسرار الساعات الأخيرة فى حياتها، فحينما شعرت «كوكو» بالموت، طلبت من خادمتها أن تساعدها على ارتداء ملابسها، وتصفيف شعرها، ووضع المساحيق، ثم فارقت الحياة بعد دخولها غرفتها واعتلائها السرير ببضع دقائق فى ١٠ يناير ١٩٧١، ودفنت بمدينة «لوزان» السويسرية.
تشبه أشهر مقولاتها الأقراص الوقائية، التى نعالج بها هزيمة الروح، والخصومة مع الحياة: «إذا ارتديت ثوبًا رثًا، يتذكر الجميع ثوبك، وإذا ارتديت ثوبًا أنيقًا، يتذكر الجميع شخصك»، «حتى تكون إنسانا لا يعوَّض، يجب أن تكون مختلفًا»، «الموضة ليست فى الفساتين فحسب، بل فى السماء، والطرقات، والأفكار، وأسلوب الحياة، وكل ما يحدث حولنا»، «أنا لست شابة فى مقتبل العمر، لكننى أحس أننى كذلك، وإذا جاء يوم شعرت فيه بسنوات عمرى الكثيرة، سأذهب إلى سريرى، وأبقى هناك»، «إنَّ أشجَع عمل يمكن أن تقوم به هو التفكير بصوت عالٍ»، «أعشق الرفاهية، التى لا تكمن فى الثراء والبهرجة فحسب، بل فى غياب الابتذال، وهو أقبح كلمة فى لغتنا، وأنا باقية لأحاربها»، «نحتاج إلى الجمال لكى يحبنا الرجال، ونحتاج إلى الغباء لكى نحبهم»، «هناك وقت للعمل، ووقت للحب، وليس للإنسان عدا ذلك وقت»، «الشيخوخة لا تحمى من الحب، لكن الحب يحمى من الشيخوخة»، «معظم النساء يخترن قميص نومهن بعقلانية أكبر من اختيارهن لأزواجهن»