شعرة معاوية.. مازلت أبحث عن سر حكمة ذاك الخليفة وحنكته وديدنه الذي خطه لنفسه بأنه «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت.. قيل كيف؟ قال لأنهم أن مدوها خليتها وإن خلوها مددتها».
وعندما قرأت أن كعب بن زهير قد أهدر الرسول عليه الصلاة والسلام دمه حين سمع أنه أساء للإسلام في شعره، فأتى متخفي إلى مجلس رسول الله ليلقي قصيدته الطويلة «59» بيتا ويبدأها.. «بانت سعاد قلبي اليوم متبول/فيم أثرها لم يعد مكبول» ويسترسل في القصيدة حتى البيت الـ34 وهي تبدو للوهلة الأولى قصيدة غزل ويصبر عليه الرسول الكريم إلى أن يصل إلى «كل ابن أنثى وإن طالت سلامته /يوما على آلة حدباء محمول.. انبئت أن رسول الله اوعدني/والعفو عند رسول الله مأمول». إلى أن يصل إلى.. «أن الرسول لسيف يستضاء به/مهند من سيوف الله مسلول» وهي أول قصيدة في مدح الرسول الكريم.
فيقبل اعتذاره ويهديه بردته ولذا سميت بنهج البردة.. وقد اشترى الخليفة معاوية ابن ابي سفيان تلك البردة من ابن كعب وكان الخلفاء حتى العصر العباسي يرتدونها في الأعياد إلى أن جاء المغول وقيل إنهم احرقوها وإن كان البعض يقول إنها مازلت موجودة في اسطنبول.
ونعود إلى معاوية إبان خلافته وقصته مع عبد الله ابن الزبير الذي أرسل إليه يوما يقول له.. «من عبد الله ابن الزبير إلى معاوية ابن هند آكلة الأكباد.. أما بعد فإن عمال مزرعتك دخلوا إلى مزرعتي غير مرة فمرهم بالخروج منها.. فو الذي لا إله إلا هو ليكون لي معك شأن». فقرأ معاوية الرسالة على ابنه يزيد وقال له ما رأيك في كتاب ابن الزبير وقد أرسل يهددني؟
فقال يزيد إرسل له جيش أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه.. فقال معاوية بل خير من ذلك زكاة وأقرب رحما.. فكتب إلى ابن الزبير يقول.. «من معاوية ابن أبي سفيان إلى عبد الله ابن الزبير ابن أسماء ذات النطاقين.. أما بعد فو الله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك فإن وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فإن جنة الله عرضها السموات والأرض».
فلما قرأ الزبير الرسالة سافر إلى دمشق ليقبل رأس معاوية وقال له لا أعدمك الله حلمك. أحللك في قريش هذا المحل.. ولاشك أن معاوية قد تربى في مدرسة أهلته لأن يكون كذلك وهي مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي العصر الحديث سمعت قصة للممثل الراحل الشقي أحمد رمزي حكاها قبل وفاته بأنه اشترى سيارة جديدة في شبابه وكان معه صديق ووجد شابا يقود سيارته الجميلة فناوشه وكان يكسر عليه يمينا ويسارا بسيارته كنوع من مشاغبة الشباب وكان الشاب يبتسم ويشاور لهم بيده وعندما اقتربوا منه اكتشفوا أنه الملك فاروق.. فطاروا إلى المنزل وقرروا ألا يخرجوا فمن المؤكد أن الملك قد التقط نمرة السيارة وأنهما هالكون لامحالة وانتظروا المصير المحتوم يوما تلو الأخر ولكن لا شيء مما فكروا فيه قد حدث.. فقد تصرف معهم بأسلوب راق وأيقن أنها مجرد شقاوة شباب وربما يكونوا لا يعرفونه.. وأخذ يشيد بتصرف الملك.. وما أجمل أن يكون الحاكم هين لين جابرا للخواطر متسامحا يعفوا عند المقدرة.. فقد أوجده الله في مكانة لم تأتي صدفة لأن الصدفة لا تتأتى ولكن لمن يستحقها فهي ترتيبات القدر.. ومازالت القصة مستمرة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية