ما يحدث في السودان صراع بين قوتين نظاميتين في البلد.. هو نفس ما جرى في اليمن ونفس ما يجرى في ليبيا، حروب هدفها إنهاك الدول العربية وخاصة مصر والسعودية اللتين هما أكبر دول المنطقة العربية. وفي هذه الصراعات دائما ما تدفع الشعوب هي الثمن من أموال وأرواح وفقر وجهل ومرض.
فالحرب في السودان واليمن وليبيا تمول من أموال شعوب الدول الثلاث لشراء الأسلحة والمعدات التي يقتتلون بها.. والتي يذبحون بها أبناء الشعوب الثلاثة خاصة الجنود الغلابة والمدنيين الذين لا حول لهم أو قوة.
وحرب السودان الأخيرة بين قوات الدعم السريع الذي يقودها محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي وهي قوات تأسست في عهد الرئيس عمر البشير بضم ميليشيات الجنجويد التي كانت تقاتل في دارفور وارتكبت جرائم كبيرة في حق المدنيين هناك ومع قرار مجلس الأمن بإحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية تم تنظيمها بقيادة دقلو وتم اسناد مهام لها منها حماية الحدود السودانية والتدخل لإنهاء أي اضطربات تحدث في البلاد وبين القوات المسلحة النظامية التي يقودها الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الرئاسي.
والخلاف دب بين القائدين سريعا مع اقتراب القوى المدنية في السودان على اتفاق لخارطة طريق لإخراج البلاد من أزمة تعيشها على مدار 5 سنوات بعد الإطاحة بعمر بالبشير، ولأن السودان دولة هشة بامتياز مثل اليمن وليبيا وغياب آليات التغير في القيادات في البلاد ظل دقلو قائدا لقوات الدعم السريع من تأسيسها ومع فترة بقائه على رأس هذه المجموعة تحول ولاء الضباط والجنود من الدولة السودانية إلى شخصه وأعتقد من تحت أمرته أنه يملك هذه القوات ملكية خاصة لذا أصبحت قوة خاضعة لسيطرة فرد وليس لقيادة دولة لها مؤسسات تملك تغيير الموظفين فيها مها بلغت درجتهم الوظيفية.
فبقاء الموظف الكبير في منصبه وخاصة في المناصب العليا لسنوات تجعله يتحد في الكرسي ويصل به الأمر إلى الاعتقاد بأنه ملهم لا يخطئ ويعتقد من حوله أنه صاحب هذا المنصب وأنهم يعملون عنده شخصيا وليس في دولة لها مؤسسات وقيادات أعلى تملك إصدار قرارات التغيير وهو ما فطن إليه الغرب منذ عقود وجعلوا التغيير الدوري لقيادات الدولة أمر يكرس الاستقرار ويحفظ البلد من محاولات الاستئثار ونصوا عليه في دساتير وقوانين وجعلوا صندوق الانتخابات هو الآلية الوحيدة للتغير.
ولكن ظاهرة التوحد في المنصب تجدها فقط في الدول الهشة التي لا توجد بها مؤسسات حقيقية ولا توجد بها فصل بين السلطات أو قضاء مستقل قوى أو تجرى فيها انتخابات دورية نزيهة، ففي الدول القوية يكون التغيير فيها سنة الحياة وأن لا يبقى شخص في منصبه أكثر من مدة محددة في القانون وخاصة الوزراء حتى لا يتحول الوزير إلى قوه لا يمكن تغيرها لأن بقاءه مددا طويلة في منصبه يقتل الطامحين أو النابغين وأجيالا تستحق أن تتصدر المشهد من تولى المنصب.
فما يحدث في السودان نموذج حي لهذا المشهد العبثي الذي لا نراه إلا في دولنا وفي النهاية نجد الصراعات تشتعل بين القيادات التي تكلست في مناصبها ويكون الضحية الشعوب والتنمية وإهدار المال العام في حروب من أجل أطماع شخصية لأشخاص أعمتهم المناصب ونسوا انهم يعملون عن الشعوب وليسوا أسيادا عليهم.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية