ونحن في خضم أزمة اقتصادية عالمية؛ خرجنا منها جميعا بدرس مفاده أنه لا سبيل لاستقرار جهود التنمية ودعم الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات والتقلبات، إلا من خلال الإنتاج الوطني وزيادة معدلات التصدير، وهو ما لن يتحقق دون دعم للصناعة الوطنية.
الدولة ومن جانبها وعبر مؤسساتها المختلفة بدءا من رئاسة الجمهورية وحتى الحوار الوطني تولي اهتماماً كبيراً بهذا الملف وتعمل على مراجعة السياسات والتشريعات الخاصة بالصناعة والاستثمار، وتصحيحها بما يتواءم والواقع العالمي الجديد وما فرضه من تحديات كبيرة تواجه الصناعة المصرية.
آخر تلك الجهود كان ترأس الرئيس عبد الفتاح السيسي الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار بعد إعادة تشكيله، والذي أسفر على الفور عديد القرارات التي تعمل على تحفيز الاستثمار بشكل عام والاستثمار الصناعي على نحو خاص، فكان التوجيه بالموافقة على مشروع قرار خاص بدراسة تعديل بعض مواد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، ومشروع قرار خاص بتعديل نص المادة رقم 34 من ذات القانون، وذلك للسماح بالترخيص لمشروعات الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي كإحدى مدخلات الإنتاج للعمل بنظام المناطق الحرة.
غير أنه في أوقات الأزمات أيضاً تنشط الطبقة الطفيلية من «السماسرة» و«المضاربون»، يقتاتون من تلك الأزمات لا يهتمون بمصلحة وطن أو مواطن؛ يثيرون «البلبلة» في الأسواق يتلاعبون بالأسعار، أدواتهم في ذلك تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي.
النموذج الأبرز في ذلك سوق مواد البناء عامة وحديد التسليح خاصة، نجد بعض الصفحات و«جروبات» فيسبوك تنشط جداً فيما يتعلق بأعمال «السمسرة» والمضاربة في ذلك السوق؛ غير أن الخطر الأكبر أن تلك الصفحات والمجموعات تحولت لمنابر للضغط على الدولة في حملات مخططة وموجهة بهدف فتح الباب أمام المنتجات المستوردة من الخارج في سوق لصناعة كبيرة من أعمدة الاقتصاد الوطني وقطاع هو الأكبر في مصر من حيث حجم الاستثمارات، نمتلك فيه مقومات المنافسة عالميًا.

وبينما تعاني المصانع محلياً في ظل تلك الظروف الضاغطة من تدبير احتياجاتها من العملة الصعبة لتوفير المواد الخامة اللازمة للتصنيع، وقطع الغيار المطلوبة للصيانة، نجد البعض من خلال تلك الصفحات والمجموعات يبتزون الدولة من أجل فتح باب الاستيراد أمام المنتجات المنافسة؛ يبثون الشائعات التي تضر الاقتصاد على مدار اليوم، يثيرون العواطف والمشاعر الشعبية المتأججة بفعل الضغوط التضخمية تحت شعارات حماية المستهلك، وتخفيف الضغوط على الشباب من أجل الزواج!!!، وهم أبعد ما يكونون عن حماية المستهلك أو الحفاظ عليه، ثم إن حماية المستهلك منوط بها جهات رقابية متعددة والدولة ليست بغائبة تتابع كل صغيرة وكبيرة.
إذن الهدف هو فتح الباب لمنتجات أقل جودة من المنتج المحلي، تضر بواقع صناعة مهمة لمجرد أن يستفيد البعض بعمولات سمسرة ومضاربة، في وقت العالم كله اتجه إلى حماية تلك الصناعة الاستراتيجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي وكندا. التي اتخذت إجراءات حماية بفرض رسوم وصلت لـ25% على كافة منتجات الحديد والصلب.
عربياً؛ قامت جمارك دبي في دولة الإمارات؛ مد العمل بتطبيق الرسم الجمركي على واردات حديد التسليح ولفائف الحديد بنسبة 10% حتى 12 أكتوبر من العام 2025. بناء على توصية من «مجلس تطوير الصناعة» في دولة الإمارات الذي أشار إلى أن هذا القرار يأتي بهدف تشجيع الإنتاج المحلي وحماية الصناعات الوطنية.
إنني أدعو المهندس أحمد سمير وزير التجارة والصناعة، وهو رجل صناعة في المقام الأول، وهو المسئول الأول أيضاً عن حماية الصناعة الوطنية والمصنعين المصريين إلى عدم الاستجابة لمثل تلك الدعوات، ومد العمل بأحكام القرار الوزاري رقم 1535 لسنة 2017، بفرض رسوم نهائية لمكافحة الإغراق على الواردات المغرقة من صنف حديد التسليح لمدة ثلاث سنوات على الأقل حماية لصناعة استراتيجية تساهم بنسبة نمو كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، يعمل بها نحو 31 ألف عامل منها: 27500 عامل بالصناعة المتكاملة وشبه المتكاملة و3500 عامل في صناعة الدرفلة، هذا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العمالة غير المباشرة.
والأهم حماية الصناعة داخلياً من تلك الحملات الموجهة، التي تثير البلبلة وتبث الشائعات الاقتصادية، تضر بالصناعة والاقتصاد الوطني، وأدعو الأجهزة الرقابية للتعاطي مع تلك الصفحات و«الجروبات» وبياناتها وروابطها متاحة لكل من يهمه الأمر.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية