ما حدث بين «القيصر» و«الطباخ» في روسيا منذ أيام لا يمكن اعتباره شأناً داخلياً لعدة أسباب.. أولها: أن روسيا ليست دولة عادية، ولكنها تعد دولة عظمى تشكل مع الصين محور توازن استراتيجياً مع الولايات المتحدة خاصة في توازن القوى وتشكيل التحالفات الدولية بشقيها السياسي الاقتصادي.
أما السبب الثاني: والأهم فهو القوة النووية الروسية التي تهدد أمن واستقرار العالم في حالة مرور البلاد بأي اضطرابات.. أما السبب الثالث فيتمثل في الثقل الاقتصادي لروسيا في أسواق النفط والغاز وكذلك في أسواق الحبوب والسلع الغذائية.. هذا بالإضافة لعدة أسباب أخرى تتمثل في كون روسيا دولة عظمى من حيث القوة العسكرية تحتل ترتيباً متقدماً في التصنيع العسكري بمختلف مستوياته.
لذلك اتجهت أنظار العالم تجاه موسكو واحتبست أنفاس السياسيين في مختلف أنحاء العالم وهم يتابعون تمرد ميليشيا فاجنر التي أسسها الرئيس بوتين نفسه وسلم قيادتها لواحد من أخلص رجاله ينجينى بروجوزين والذي اشتهر بـ«طباخ بوتين».
وهكذا فإن قائد التمرد هو رجل بوتين الذي اختاره لتنفيذ مهام خاصة في عدد من الدول.. وهذه المهام لا يتم إسنادها إلا لأهل الثقة من داخل دائرة صنع القرار.
لذلك فإن ما حدث منذ أيام لم يكن طبيعيا.. فعلى مدار 36 ساعة اندلع تمرد مسلح من جانب قائد مجموعة فاجنر العسكرية واستولى على مدينتي روستوف وفورونيج وزحفت قوة من 5 آلاف مقاتل تجاه موسكو ووصف بوتين ما حدث بأنه خيانة وطعنة في الظهر، وتدخل رئيس بولا روسيا وعقد اتفاقاً تم بموجبه إنهاء التمرد وتأمين الخروج لقائد التمرد وقواته إلى بلاروسيا وعاد جيش الرئيس الشيشان رمضان قديروف إلى قواعده مرة أخرى بعد أن بدأ في التحرك لمواجهة التمرد.
انتهى التمرد.. ولكن الأسئلة حوله مازالت تبحث عن إجابات غائبة ربما لا نجد لبعضها إجابة على الإطلاق.. وستظل تلك الإجابة ما بين بوتين والجنرال وحدهما.
أسئلة كثيرة تتردد في مختلف الأوساط: كيف استولت قوات فاغنر على روستوف وفورنيج دون مقاومة ولا حتى نقطة دماء واحدة؟ وكيف استمرت حياة المدنين داخل المدينتين خلال ساعات التمرد دون تغيير حتى إن عامل النظافة مارس عمله بشكل طبيعي وسط دبابات فاغنر؟ وكيف استمرت الضربات على أوكرانيا ولم تتوقف أو تتأثر بالتمرد؟ وكيف زحفت مدرعات فاغنر نحو العاصمة موسكو على بعد كيلو مترات دون أي مقاومة تذكر؟ وأين كانت صواريخ إس 400 الروسية التي اشترتها تركيا وتحاول الولايات المتحدة الضغط على أنقرة للوصول إلى أسرار تصنعها بأي ثمن؟ وأين الصواريخ الطائرات والمسيرات والترسانة العسكرية الروسية من هذا التمرد؟ وأين الجيش الروسي؟ وهل وصل الأمر بروسيا القيصرية إلى الاستعانة بجيش أحمد الشيشاني الذي لا تزيد قواته على 10 آلاف مقاتل للدفاع عن موسكو؟ وكيف قبل قائد فاغنر بكل سهولة وساطة رئيس بولا روسيا؟ ولماذا أسقطت روسيا الدعوة الجنائية بكل سهولة ضد قائد فاغنر؟
هذه هي الأسئلة وعلينا أن ننتظر ربما نجد الإجابة عن بعضها خلال الأيام القادمة.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية