ليس لأنك مسالم لن تتأذى، بل سوف تتأذى رغما عنك، مهما حاولت أن تبتعد عن الناس ومهما كنت مسالم، سوف تجد عقبات أمامك وسوف تجد أشخاص يغارون منك ويحاولون بكل السبل تدميرك.
سوف تجد أشخاص لا يملكون أصل، وسوف ترى كل العجائب التي لا تخطر على بالك، لكن لأنك لست مثلهم سوف تنصدم بجدار الواقع، لكن يجب أن تتعلم الانسحاب والتجاهل.
البعض من صديقاتي يقولن لي نحسدك على برودك وقوتك في تخطي المشاكل وإيجاد الحلول، لكن لا أحد يعلم من أنت مع وجعك المكتوم؟
وكيف أصبحت بهذه القوة؟
فالقوة لا تكتسب مع الفطرة بل تولدها الصعوبات، مررت بمواقف كنت أعتقد فيها أنني سوف أموت من الألم لكنني لم أكن أملك وقت فراغ كي استسلم لذلك الوجع.
فكل صدمة كانت تحفزني على التقدم أكثر والتجاوز، تعلمت في حياتي أننا معرضين لكل الصدمات، وأننا يجب أن نتأقلم مع مجتمع فيه الكثير من قلة الأصل.
لكن الرد يجب أن يكون بكل برود، عندما تنسحب عن كل شيء لا يستحق وجودك فيه، أن لا تغفر لأحد لأن الغفران سوف يعود بك إلى الوراء، وسوف يعيدك إلى نفس الدوامة.
لا أحد يستحق فرصة مرتين هي فرصة واحدة، لا أحد يستحق ثقتك فالثقة تمنح مرة واحدة لناس لو كانوا أوفياء يستحقون وجودك في حياتهم ولو كانوا عكس ذلك انسحب للأبد.
لكن لا تتخلى عن مشاعرك تجاه الناس، ولا تحمل أشخاص آخرين الاثمان، ولا تجلد نفسك بل قاومها بالقوة والعزيمة في التجاهل، لأن التجاهل أقوى انتقام، تجاهل كل شيء حتى الرد.
منذ ثلاثة أشهر تقريبا وأنا في اجتماع مهم كنت متعودة أن أقفل هاتفي لكنني لم أغلقه في ذلك اليوم لأسباب عائلية، وردتني رسالة جعلتني في حالة صدمة جعلتني منهارة جدا تساءلت كيف لشخص أن يتمكن من ايذاء مشاعر غيره بكلام مؤذي فقط بسبب غيرة.
فتلك الفتاة التي أرسلت لي رسالة كل ما كان يشغل بالها هو الغيرة من إنسانة لم تلتقي حتى بها ولم تحادثها.
بسببها انهرت كنت في حالة يرثى لها، لم أنام لعدة أيام بسبب الوجع، كنت أبكي في كل صلاة كنت أتوسل من الله فقط أن يخفف عني ذلك الوجع، لأنه كان غير محتمل.
مع أنها حاولت أن تعتذر لكنني لم استطع أن أقبل اعتذارها ولا حتى أن أرد عليها بعد رسالة اعتذارها لأن الاعتذار غير مقبول عندما تؤذي مشاعر الأخرين بسبب غيرة.
مع أن لا أحد ينافس أحد نحن لسنا في مسابقات، لا أستطيع عن نفسي أن أقبل أن أرسل رسالة لأي إنسان في الدنيا واؤذي فيها مشاعره فقط بسبب غيرة ومن ثم اكتفي بالاعتذار.
تساءلت لماذا لا يفكر بعض الناس في غيرهم وفي مشاعر غيرهم؟
تساءلت لماذا الناس عدائيين حتى في مشاعرهم؟
تساءلت أين الرقة والاحترام والرقي؟
هذه الإنسانة جعلتني بعد هذا الموقف أفتخر بنفسي وشخصيتي لأنني لم أؤذي أحد، جعلتني أشعر كم أنني شخصية غير متسرعة، جعلتني اكتشف كم أنا باردة في الرد.
لم أرد عليها بكلام جارح بل كنت لبقة، هذه الإنسانة جعلتني أشعر أنني أملك ثقة في نفسي، وجعلتني أشعر كم أنها لا تملك أي ثقة في نفسها.
هذه الإنسانة جعلتني أشعر أن وجودي قد جعلها تشعر بالارتباك والقلق والغيرة وكم أنها ضعيفة ومهزوزة الشخصية، ولو كنت غير مهمة لما كانت أرسلت رسالة تعبر عن غيرتها وقلة ثقتها بنفسها.
ما أردت قوله لا يجب أن نحكم على المواقف المؤلمة من جانب واحد بل هي قد تجعلنا نكتشف الكثير عن أنفسنا، وهذا ما اكتشفته من خلال هذا الموقف.
شعرت أنني حساسة ولا أستطيع أن اؤذي غيري شعرت أنني أستطيع التحكم في انفعالي وأنني لا أقدم على مثل هذه التصرفات المتهورة والغير لبقة.
تساءلت كيف لشخص أن يرسل رسالة لشخص آخر بسبب غيرة وهو لا يعلم ما هي الظروف التي قد يكون يعاني منها الشخص الآخر في ذلك الوقت قد يكون لديه حالة وفاة، قد يكون في حالة اكتئاب حاد، قد يكون مريض، قد يكون يعاني من مشاكل صعبة وقد تكون تلك الرسالة المؤذية باب لدماره.
لذلك حمدت الله كثيرا على رقة مشاعري وتفكيري في غيري مع أنني كنت اعتبر هذه الأشياء ضعف لكنني شعرت أنها مركز قوة وجعلتني أفهم معنى قول الرسول «من لا يرحم لا يرحم» والرحمة هنا بالمشاعر والإحساس بالآخرين.
لئن جعلتني تلك الفتاة أشعر بالحزن والضيق والهم فإنني شعرت كم أنا أفضل منها لأنني أضع نفسي مكان الآخرين ولا أفعل مثل هذه التصرفات الغير راقية، مع أنني أعيش في عالمي المسالم لكنني لم أسلم من الغيرة من بعض الناس، لكن هذا جعلني أشعر كم أنا مهمة وقوية، عندما أربك وجودي غيري.
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا