في ظل تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والتوثيق المتزايد للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، جاء إعلان المحكمة الجنائية الدولية اليوم، عن إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع المقال يوآف جالانت.
هذه الخطوة تمثل تطوراً هاماً في مسار العدالة الدولية، لكنها تثير تساؤلات حول مدلولاتها وإمكانية تنفيذها على أرض الواقع.
خلال السنوات الأخيرة تصاعدت وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، خاصة في غزة والضفة الغربية، ومن أبرز الجرائم التي وُثقت:
- القتل العمد: استهداف المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم النساء والأطفال، خلال العمليات العسكرية.
- التطهير العرقي والاستيطان: تهجير الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم، ومواصلة بناء المستوطنات غير القانونية.
- الحصار والانتهاكات الاقتصادية: فرض حصار خانق على غزة أدى إلى كارثة إنسانية مستمرة.
- الهجمات على المرافق المدنية: استهداف المستشفيات، المدارس، والمساجد، بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني.
هذه الممارسات وثّقتها منظمات دولية كـ «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، مما دفع المحكمة الجنائية الدولية للتحرك.
ويحمل قرار محكمة العدل الدولية الصادر بحق نتنياهو وجالانت، مدلولات هامة تتمثل في:
- رمزية العدالة الدولية: إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين يمثل اعترافاً دولياً بأن جرائمهم لا تسقط بالتقادم، ويبعث رسالة مفادها أن أحداً ليس فوق القانون الدولي.
- تعزيز شرعية القضية الفلسطينية: القرار يعزز المطالب الفلسطينية بالتحقيق في الجرائم المرتكبة ضدهم، ويضع الاحتلال تحت المجهر العالمي.
- ضغط سياسي على إسرائيل: رغم أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، فإن هذه المذكرات تمثل ضغطاً دبلوماسياً يضع قيوداً على حركة القادة الإسرائيليين في الدول الموقعة على نظام روما الأساسي.
والسؤال الهام الذي يفرض نفسه بعد صدور مذكرتي الاعتقال، وهو مدى إمكانية تنفيذ القرار التاريخي بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين؟ والحقيقة أن تنفيذ القرار يواجه تحديات كبيرة منها:
- عدم عضوية إسرائيل في المحكمة: إسرائيل ليست طرفاً في نظام روما الأساسي، وترفض الاعتراف باختصاص المحكمة.
- التسييس الدولي: الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل يشكل حاجزاً أمام تنفيذ قرارات الجنائية الدولية.
- ضعف الإرادة الدولية: التجارب السابقة، مثل مذكرات الاعتقال بحق البشير (رئيس السودان السابق)، تظهر صعوبة تنفيذ القرارات إذا لم تكن مدعومة بإرادة دولية قوية.
- التحدي اللوجستي: اعتقال شخصيات بارزة مثل نتنياهو وجالانت يتطلب تعاوناً دولياً غير مضمون، خاصة في ظل الحماية السياسية والدبلوماسية التي يتمتع بها قادة إسرائيل.
الحقيقة أن هذا القرار رغم معوقات تنفيذه إلا أنه يحمل جوانب إيجابية متعددة يجب استغلالها بشتى السبل وهي:
- ضغط شعبي ودولي: إصدار هذه المذكرات قد يدفع المنظمات الحقوقية الدولية والمجتمع المدني لتكثيف حملاتها للضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
- تغيير ميزان القوة السياسي: القرار قد يساهم في تعزيز موقف الفلسطينيين في المحافل الدولية، وربما يُسرّع تحركات مشابهة ضد قادة آخرين في الاحتلال.
- رسالة ردع: حتى لو لم تُنفذ المذكرات بشكل مباشر، فإنها تزرع الخوف لدى قادة الاحتلال من أن العالم يراقب، وأن الجرائم لا تسقط بالتقادم.
باختصار.. إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وجالانت هو خطوة غير مسبوقة تسلط الضوء على جرائم الحرب الصهيونية. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ القرار، فإنه يشكل علامة فارقة في مسار النضال الفلسطيني لإحقاق العدالة، ويؤكد أن الجرائم الإسرائيلية أصبحت موضع محاسبة دولية، ولو على المدى البعيد.