في أي حكومة رشيدة، هناك أدوات ذكية لحماية نفسها من الأزمات، أهمها «وحدة رصد الأزمات»؛ تلك الوحدة التي من المفترض أن ترصد الغضب قبل أن يتحول إلى انفجار، وتفكك الخطر قبل أن يصبح كارثة، وتصارح الناس بالحقيقة قبل أن تلتهمهم الشائعات.
وظيفة هذه الوحدة ليست تجميل الواقع، بل مواجهته. ليست في تزيين الأفعال، بل في رصد الخطأ، ومحاسبة من أخطأ، وتهدئة الشارع بالحقيقة لا بالإنكار.
لكن ما جرى في مصر خلال أيام قليلة يثبت أننا نفتقد هذه الرؤية.. هناك واقعتان أبطالهما وزيران، تسببا في أزمتان، أثارتا الغضب الشديد بين جموع الشعب، كونهما يتعلقان بحقوق المواطنة والحياة الكريمة، ومن ناحية أخرى فإن أحدهما جريمة اغتيال معنوي أوت إلى هلاك صاحبها ومفارقته الحياة.
الأزمة الأصعب والأقسى، بطلها وزير التعليم الذي هاجم خلال زيارته لمديرية الباجور التعليمية، مديرها أمام الجميع، وفقا لشهود عيان، فأصاب الرجل بأزمة قلبية شديدة فقد حياته على إثرها.
مات المدير، وخيم الصمت على الحكومة.. ودخل مجلس النواب دائرة المعركة وقدم نواب استجوابات للوزير تحت قبة البرلمان، وتصاعد الغضب المكتوم داخل صدور معلمي مصر، وتعالت الصراخات على السوشيال ميديا .
أزمة وزير التعليم أصابت الحكومة في مقتل، وأحدثت ضجة كبيرة على وسائل الإعلام، وأشعلت الغضب داخل النفوس، وأصابت قطاع كبير من المجتمع يمثله جميع العاملين في هذا القطاع الحيوي بنوع كبير من الإحباط، ولم تزيد محاولات الوزارة للخروج من المأزق إلا في زيادة الأمر اختناقاً وتعقيداً.
الحكومة لم تنطق حتى كتابة هذه الكلمات وتلتزم الصمت، ولم تعلن عن حقيقة ما حدث أو تشكل لجنة للتحقيق، وكأن ما حدث لا يعنيها، ولا يمس هيبتها، ولا يشوّه صورتها.
هنا نتساءل: أين وحدة رصد الأزمات؟ هل تنتظر الوحدة أن تتحول الواقعة إلى مظاهرات؟ إلى هاشتاجات غاضبة؟ أم أن الكرسي أصبح أثقل من ضمير صاحبه، وأعلى من صوت الشعب؟
هذه الحكومة – بكل صراحة – تُضعف نفسها بنفسها، حين لا تتحرك لمحاسبة مسؤوليها، وحين تتجاهل أزمات تمس مشاعر الناس وكرامتهم.
في زمن السوشيال ميديا، التجاهل لم يعد حلاً، والسكوت صار تواطؤًا.
الشعب لم يعد قاصرًا، فقد بلغ سن الرشد ويفهم كل شيء، وإن كان للحكومة نصيب من الشكر، فهو فقط حين تُحسن، لا حين تطلبه عنوة.
الحق لا يُنتزع بالشكر، ولا يُمنح بالمنة.. الحق يُصان بالعدل، ويُحمى بالمسؤولية، أعيدها مرة أخرى: «ارحمونا.. يرحمكم الله».