بقلم – رشا يحيى
حلم راود الإعلاميين لسنوات طويلة وهو إقامة نقابة تحمى حقوقهم ومهنتهم وتنظم عملهم، وتحاسب المخطئ حتى لا تصوب السهام على المجال ككل.. خاصة بعد ظهور القنوات الخاصة التى فتحت أبوابها لمن تريد بلا معايير ثابتة أو تدريب مسبق.. مما تسبب فيما وصل إليه الإعلام من مسالب يراها القاصى والدانى.. وأصبح المجال كثقب إبرة أمام الخريجين الذين بذلوا الجهد للالتحاق بكليات الإعلام للتحصن بالعلم والتدريب والتأهيل.. ليقع هؤلاء فريسة أمام سوق العمل الذى يحتاج إلى وساطة وليس الحصول على شهادة!!.. فخريج الإعلام ليس أمامه سوى القنوات والصحف الخاصة.. أو الصحف القومية.. أو اتحاد الإذاعة والتليفزيون والذى نعانى من زيادة العاملين فيه عن حاجة العمل بما يزيد على ٥٠٠ فى المائة!!.. وبالتالى لا يجد عملًا سوى من يجد ظهرًا يحميه!!.. وقد حاول خريجو الإعلام من عشرات السنين أن يستظلوا بمظلة نقابة الصحفيين ولم يقبل الصحفيون ذلك.. ولكن الآن بعد سيطرة الكثير من الصحفيين على البرامج التليفزيونية والإذاعية نراهم يترقبون عضويتهم فى نقابة الإعلاميين!!.. ولأننا نعانى من خلل فى الرؤية وأمورنا كلها بالمقلوب لذلك نجد أسماء من كبار الصحفيين لم يستطيعوا الانضمام لنقابة الصحفيين أيضا!!.. رغم أنهم لا يمارسون الصحافة فقط وإنما يعملون كأساتذة لها!!.. والسبب أنهم معينون كأساتذة جامعة والنقابة تشترط العمل بالصحافة فقط!!.. ولا أعلم لماذا لا يقتدون بنقابة المحامين والتى لا تمنع أساتذة كليات الحقوق من الانضمام إليها فيمارسون المحاماة ويستظلون بنقابتهم ويستفيد الطلاب من رؤية مرافعات الأساتذة وفتح المجال للمناقشة والاستفادة منهم.. كذلك تفتح نقابة المحامين أبوابها لكافة خريجيها من حملة ليسانس الحقوق، بمن فيهم ضباط الشرطة والقضاة بعد انتهاء خدمتهم.. ولكن هيهات أن يحدث ذلك مع خريجى الإعلام الذين يرون أماكنهم مغتصبة من غيرهم وهم يتسولون العمل بدون أجر لإثبات كفاءتهم!!.. وبعد طول انتظار وترقب للأمل المنشود بإنشاء نقابة تحميهم تمت الموافقة على مشروع قانون إنشاء نقابة الإعلاميين بعد أن تابعنا المناقشات التى دارت حوله من نواب البرلمان.. ومع كامل الاحترام للمجلس إلا أن ما قرأناه وسمعناه حول المسموح لهم بالحصول على عضوية النقابة أصابنا بالإحباط!!.. فقد طالب النائب/خالد يوسف – المخرج السينمائى والمهندس فى الأساس وعضو لجنة الإعلام – بإدارج اسم «باسم يوسف» الطبيب ضمن أعضاء نقابة الإعلاميين عقب الموافقة على إنشائها!!.. وقال إنه إعلامى مائة بالمائة ويجب أن ينضم للنقابة وإن ذلك يضبط أداءه ويسهل محاسبته ويحمى حقوقه!!.. وسانده العديد من النواب وطالبوا البعد عن شخصنة الأمور وأن يتساوى مع «أبوحفيظة» ضابط الشرطة سابقا.. وبالتالى يصبح من حق الأطباء والشيوخ والطباخين والرياضيين والمدرسين وأصحاب مراكز التخسيس والتجميل الانضمام إلى نقابة الإعلاميين وحمل لقب إعلامى بشكل رسمى؟!.. ليصيب النقابة ما أصاب الإعلام من عشوائية!!.. ثم شاهدت النائب الكاتب/ يوسف القعيد فى أحد البرامج وهو يدافع عن وجهة نظر ضم كل من يعمل بالمجال، وقال إنه سأل المذيعة/منى الشاذلى كم عدد من يقفون خلف الكاميرا ويساعدون فى ظهورك، فأجابت حوالى مائة وخمسين، قال إن منهم ما لا يقل عن مائة يستحقون الانضمام إلى النقابة، وتعجب من معارضة خريجى الإعلام لذلك!!.. هل نظر سيادة النائب على هؤلاء الخريجين وأحقيتهم فى نقابة من المفترض أنها نقابتهم!!.. وهل تحدث أحد عن استجدائهم العمل الذى لا يجدونه لأن غيرهم احتل مكانهم، حتى فى نقابتهم التى حلموا أن تكون حصن الأمان لهم وتضع ضوابط للعمل الإعلامى ينصف أصحاب المهنة الأصليين؟!.. كيف للمجلس الموقر أن يدافع عن مقدمى البرامج الممتهنين لكل المهن وأن تفتح لهم أبواب النقابة.. ولم يدافع أحد أو يطالب بحق أصحاب البيت الحقيقيون.. هل يقبل النائب المهندس أن ينضم لنقابته المقاولون وكل من بنى بيته بنفسه؟!.. على مجلس النواب الذى تحمس لذلك أن يفتح أبواب نقابات التجاريين للتجار حتى وإن كانوا غير مؤهلين وليسوا من خريجى كليات التجارة، والأطباء لمساعديهم وعدم الاكتفاء بخريجى الطب فقط والصحفيين لعمال المطابع والموزعين.. وغيرهم!!..وإذا كانت الدولة ومؤسستها التشريعية لا ترى دورا لكليات الإعلام ولا تعتبرها شرطًا للعمل الإعلامى فليتم إلغاء كليات الإعلام!!.. وهنا أتساءل لماذا كلما جاءت الفرصة لأى إصلاح لما أفسده الدهر يقف البعض مدافعا عن العشوائية والانفلات الذى عانى منه الجميع، وهو ما لم نعهده حين كنا نتمتع بأخلاقيات ومعايير لكل المهن.. ولكن هذا المناخ السائد له منتفعون سادوا بلا أسباب للسيادة ويمتلكون سلطة الكلمة والشاشة والميكروفون ويعمل لهم ألف حساب.. أما خريجو الإعلام فلهم الله سواء كانوا صغارا لم يستطيعوا ممارسته أم أساتذة تستبعد رؤيتهم وآراءهم عن الأخذ بها.. ولا أعلم كيف يتم تجاهل آراء أساتذة الإعلام الذين يعتد بكلماتهم على مستوى الوطن العربى والعالم الخارجى أمثال: أ. د/ حسن عماد مكاوى، أ. د/ سامى عبدالعزيز، أ. د ماجى الحلوانى، أ.د/ منى الحديدى، أ. د/محمود علم الدين، أ. د/ هويدا مصطفى.. والكثيرون من علماء وخبراء الإعلام الذين شرفنا باكتساب العلم منهم والذين يمكنهم وضع ضوابط وضمانات ترتقى بالمهنة وتضمن حقوق المؤهلين بها.. ولكن بكل أسف رغم الاستماع إلى آرائهم لم يكن إليهم القول الفصل!!.. ونخشى أن يتحول حلم النقابة من تنظيم المهنة وحماية أصحابها، إلى تقنين العشوائية!!.. لتصبح النقابة كالإعلام.. «البيت المعمور لكل مريد أو مغمور»!!.