بقلم – محمود نفادي:
المتأمل والمتابع للحوارات المصرية الدائرة الآن مع مطلع العام الجديد ٢٠١٧ فى جميع المستويات التعليمية، وبين جميع الفئات دون تفرقة بين الحوار الدائر بين النخب والحوار الدائر على المقاهى الشعبية، لا بد أن يطرح سؤالا من الصعب الإجابة عليه بسهولة ألا وهو حالة الشعب المصرى الحقيقية هل هى حيرة شعب لكى يفهم ما يدور حوله من أحداث أم أن شعب مصر شعب يحير؟.
وبالتأكيد هذا السؤال لم يأت من فراغ، ولكنه ناتج عن تراث طويل عبر السنوات بل عبر العقود بسبب انشغال الشعب المصرى بتفسيرات أحيانا كثيرة تتجه بعيدا عن حقيقة الحدث الخاضع للتفسير، وأن نسبة كبيرة من الشعب المصرى تنتمى إلى العالمين ببواطن الأمور.
ولعل الحادث الأخير والخاص بما سمى إعلاميًا بقضية الرشوة الكبرى وظهور اسم المتهم وائل شلبى أمين عام مجلس الدولة على قائمة الاتهام واستقالته ثم القبض عليه رهن التحقيق، ثم انتحاره وما صاحب هذا الحدث من لغط وكلام فى جميع الأوساط المصرية بشأن تفسير هذا الحدث يعد مثالًا على أن شعب مصر ليس فى حيرة ولكنه شعب يحير.
فانتحار وائل شلبى فى محبسه لم يقنع الكثير من المصريين بصدق رواية أجهزة الأمن، وتعددت التفسيرات والتكهنات بشأن هذا الحادث وتطوع البعض للحديث عن روايات أخرى من وحى الخيال بأن المستشار وائل شلبى قتل أو صفى ولم ينتحر دون أن يقدم أحد من أصحاب هذه الروايات دليلًا واحدًا مقنعًا على صحة هذه الراوية، إلا أنها أصبحت أكثر تصديقا من رواية الانتحار.
والذين تحدثوا عن رواية القتل وليس الانتحار، تناسوا تماما أن المستشار وائل شلبى تقدم باستقالته من منصبه دون أن يجبره أحد على ذلك، وكان من حقه أن يرفض الاستقالة، وكان لديه وقت لكى يعقد مؤتمرًا صحفيًا يزيح فيه الأسرار والحقائق، لكنه لم يفعل ذلك وفضل الاستقالة فى هدوء كما اتجه إلى الانتحار فى هدوء. والبعض يسعى لكى يصبح وائل شلبى بطلًا قوميًا، وتقام له التماثيل فى مسقط رأسه وفى مدخل مبنى مجلس الدولة تقديرًا لجهوده ونشاطه ولذلك سمعنا البعض يردد فى جنازته «الشهيد حبيب الله» حيث تحول وائل شلبى من متهم فى قضية فساد كبرى إلى «شهيد للفساد» وأصبح اسم وائل شلبى أكثر الأسماء ترددًا على شبكة التواصل الاجتماعى والفيس بوك مما يؤكد أن هذا الشعب ليس فى حيرة ولكنه شعب يحير.
فالشعب الذى يحير يتحدث عن الفساد ويطالب بالحرب على الفساد وضرب الفساد وإسقاط قلاع الفساد وعندما تتحرك أجهزة الدولة والرقابة لضرب الفساد، توجه سهام النقد إليها والضرب فى نشاطها وأعمالها بسبب انتحار متهم فى قضية فساد لم يصدر حكم قضائى بإدانته، ولكنه رهن التحقيق وليس من مصلحة أجهزة الرقابة القضاء عليه وقتله كما يزعم البعض.
والغريب أن هذا الأمر يتردد داخل أروقة وكواليس مجلس النواب وعلى ألسنة بعض النواب دون أن يراجعوا أنفسهم ويعملوا المنطق والعقل حتى يتوصلوا إلى النتائج الطبيعية، وأن هذه الواقعة يمكن أن تؤدى إلى ما انتهت إليه، ولجوء وائل شلبى إلى الانتحار عندما وقع فى قبضة الأمن وهو المستشار صاحب الحصانة القضائية والمكانة الرفيعة. فالشعب المصرى ليس فى حيرة كما يزعم البعض، ولكن الشعب يحير بسبب لجوئه إلى تفسيرات خيالية لبعض الأحداث، ومحاولة جعل المتهمين أبطالًا فى قبورهم وشهداء دون أن يدركوا خطورة هذه المواقف والتفسيرات على الروح المعنوية للشرفاء الذين ينصبون الشباك للإيقاع بالفاسدين وتطهير مؤسسات الدولة منهم حفاظًا على المال العام.
ولو عاد المرحوم وائل شلبى للحياة وأقسم للمصريين إنه انتحر ولم يقتل لخرج علينا بعض المصريين يعلنون أن ذلك يأتى بسبب الضغوط التى تعرض لها ولن يصدقوه لأن هناك من يقود حملات للتشكيك والإثارة وإشغال الشعب المصرى بأمور بعيدة عن مستقبل مصر وبنائها وعبور أزمتها الاقتصادية، فهل اقتنعتم بأن الشعب يحير وليس فى حيرة.