بقلم – علي الفاتح:
لم يخطئ الدكتور محمد البرادعى فى تقديره لوزن النخبة المصرية ورموز المعارضة السياسية المدنية، أو فى وصفه وتحليله لشباب يناير، خلال التسريبات التى أذاعها مؤخراً الإعلامى أحمد موسى.
فقد رأى الجميع يلهث وراء مصالح شخصية صغيرة؛ فبعضهم يبحث عن زعامة زائفة، بينما آخرون يسعون وراء المال وبحسب تعبيره (شباب الثورة دول أرزوقية بيتنططوا فى كل حتة عشان الفلوس).
البرادعى بنفسه قدم دليلاً دامغاً على أن الكل تآمر على غضب المصريين ورغبتهم فى التغيير وأن أحداً من نجوم يناير لم يهتم بتحقيق ما أسموها أهداف ثورة وشعارها الشهير «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وإنما انشغلوا جميعاً بإنشاء أحزاب وكيانات سياسية لتكون أداة ليس للعمل السياسى، وإنما للظهور الإعلامى أو جمع المكاسب المادية والأدبية، لذلك قال فى إحدى المكالمات إنه سيطلب من الشباب التغاضى عن صراعاتهم الشخصية وتشكيل ائتلاف موحد للثورة يخوضون باسمه انتخابات مجلس الشعب، موضحاً أنه سينسحب من المشهد إذا لم تتم الاستجابة لطلبه. أيقونة ٢٥ يناير كان غاضباً من عجلة حواريه فى جمع الغنائم وعدم صبرهم حتى تنتهى معركة هدم الدولة، فلا تزال هناك مهمة رئيسية؛ وهى الإطاحة بمصداقية الجيش والمجلس العسكرى، وتهيئة الشارع لانتخابه رئيساً للجمهورية؛ وهو ما ظهر فى محادثته مع الصحفى إبراهيم عيسى الذى وافقه فى سب قيادات المجلس العسكرى، لذلك كان منفعلاً لدرجة وصفه لشباب الثورة بالحيوانات.
الحقيقة أن البرادعى قد أزاح آخر ورقة توت عن سوءات رموز شباب يناير، هؤلاء الذين حاولوا أن يجعلوا من أنفسهم تابوهاً يحرم الاقتراب منه بالنقد أو التحليل ويصبح من يفعل ذلك كافراً بالثورة وبالشعب.
تسريبات البرادعى تسببت فى فضح وتعرية رموز المعارضة والنخبة السياسية الذين كانوا يطوفون حول مقامه الرفيع ويحجون إلى بيته، باحثين عن شعلة الثورة، ذلك أن طريقته فى الحديث عنهم ووصف بعضهم بالحمير، أو الأفاقين أو الزبالين يؤكد شيئين؛ الأول أنهم كانوا إذا أصبحوا فى حضرة البرادعى تضاءلوا وتدنوا، والثانى أنه عرف حقيقة تقديرهم لذواتهم، فعاملهم بفوقية وكأنه يطل عليهم من شرفة قصره المهيب. ويبدو أن الدكتور أحمد زويل رحمه الله والسيد عمرو موسى والدكتور فاروق الباز كانوا من بين قلة عاملته بندية ولم تتضاءل أمامه، لذلك كان يسبهم بلغة المُغتاظ ويفضل الابتعاد عنهم، بل ويخشى القرب منهم ولم يبد فى حديثه الوقح الذى تناول شخوصهم الكريمة نبرة التعالى أو الاحتقار كما بدت تجاه الآخرين. لا ينبغى أن ننشغل بفضيحة تتعلق بأخلاق الموظف الدولى رفيع المستوى الحائز على جائزة نوبل للسلام، الذى تعاون وتحالف وعمل مع مثقفين وسياسيين وشباب رأيه فيهم أنهم إما حمير أو جهلاء ومتخلفون أو مرتزقة، لكن ما يجب أن يشغلنا حقاً هو أن تلك النخبة بالذات والتى تصدرت مشهد المعارضة السياسية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ثبت أنها لا تصلح سوى للعب أدوار كرتونية كالتى مارستها فى مواجهة الحزب الوطنى الديمقراطى، وأنها غبية وحمقاء وربما تستحق بعض الأوصاف التى نعتها بها البرادعى، لأنها لم تكتشف مبكراً حقارة الرجل ودناءته، أو على الأقل لم ترفض تلك الطريقة المتعالية التى عاملها بها. ولا أظن أنها جديرة بالاحتفاظ بمكانتها وعليها إن كان هناك بعض من حمرة الخجل الانسحاب من المشهد السياسى، فلا مستقبل لهذه النخبة ورموزها بشهادة البرادعى ذاته وأظنها الشيء الصادق الوحيد الذى صدر عنه بشأن مصر، ويكفى أن هذه النخبة بأقطابها الناصرية والماركسية والليبرالية قد تحالفت مع جماعة الإخوان الإرهابية وابتلعوا طعومها فى نفس الوقت سواء فى فتنة مجلس الوزراء ومحمد محمود بين بعض الشباب المخدوعين والشرطة المصرية أو ما عُرفت بفتنة ماسبيرو. حواريو البرادعى لا يزالون يدافعون عنه باعتبار تسجيل مثل هذه المكالمات وإذاعتها عملا لا أخلاقى، بينما هم مستمرون فى تضليل الشعب والمتاجرة بآلامه. والواقع أن إذاعة الحقيقة على الملأ هى أعلى درجات الأخلاق وأسماها، خاصة إذا تعلق الأمر بفك الارتباط بين جماعات تعمل للملمة شتاتها استعداداً لموجة جديدة من العنف والفوضى بمناسبة ذكرى ٢٥ يناير، وإحياء البرادعى كأيقونة للثورة من خلال سلسلة حوارات على فضائية العربى الإرهابية.
وللمتشدقين بالأخلاق كفوا عن اللهاث وراء وثائق ويكيليكس التى تسربها دول وأجهزة استخبارات.