بقلم – أيمن سلامة:
ما زلنا نواصل رصدنا الدقيق لأحداث سنة كاملة من عمر الوطن، وهى السنة الواقعة ما بين يونيو ٢٠١٢، عقب إعلان فوز الدكتور محمد مرسى بمنصب الرئيس وحتى يونيو ٢٠١٣ حيث خرج عليه أكثر من ثلاثين مليونًا من شعب مصر وطالبوه بالرحيل، وبين اللحظتين عشنا آلاف الأحداث خلال ٣٦٥ يومًا، وكادت هذه الأحداث أو هى بالفعل أوصلتنا إلى مشارف الحرب الأهلية، وهو ما لم تعرفه مصر على مدار تاريخها الطويل كواحدة من أقدم بلدان الدنيا، ولا شك أن محاولة انفراد مرسى وجماعته بالحكم قد بدت واضحة كالشمس، بإصداره للإعلان الدستورى المشئوم فى نوفمبر ٢٠١٢، وما تلا ذلك من أحداث أدت إلى تقسيم شعب مصر إلى كتلتين، الأولى مؤيدة وداعمة والثانية وهى الغالبية الساحقة رافضة ومعترضة، وتطور الأمر من فكرة التظاهر إلى المفاخرة بالقوة، ثم استخدامها فى أحداث الاتحادية، والتى تناولناها خلال المقالين السابقين، ولأن شعبنا الطيب الصبور يعانى من ذاكرة مثقوبة، فقد أجملنا ما حدث تفصيلًا، وهو ما جعل أحد القراء يراسلنى عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعى، ويؤكد لى أنه قد نسى مليونية الشرعية والشريعة التى هدد فيها بعض الأصوليين بذبح وقتل من يخرج على مرسى، وأقاموا مشانق رمزية لمجموعة من المعارضين الليبراليين ولمجموعة أخرى من الإعلاميين، وكيف استفزت تلك المليونية جبهة الإنقاذ الوطنى فدعت إلى مليونية مماثلة من رافضى الإعلان الدستورى وانتهت تلك المليونية بالاعتصام عند أسوار الاتحادية، وإمهال الرئيس مدة للتراجع عن هذه القرارات الدكتاتورية، لكن العناد والإصرار على تنفيذ مخطط التمكين والاستمرار فى الحكم، قاد مرسى إلى الاتفاق مع جماعته على إرسال ميليشيات مسلحة للاعتداء على المعتصمين بعدما رفضت الشرطة التدخل ومن قبلها الحرس الجمهورى، وانتهى الأمر بضحايا ودماء وتحقيقات نيابة، حاول فيها مرسى تكييف القضية حسب رؤيته، وكان يساعده فى ذلك النائب العام الجديد آنذاك طلعت إبراهيم، ولكن المستشار الجليل مصطفى خاطر قد دفعه ضميره لفضح هذه الممارسات، وأرسل استقالته لمجلس القضاء الأعلى، والتى نص فيها على مطالبة النائب العام له بحبس أى عدد ممن تم الإمساك بهم من المعتصمين، والقول بأنهم قد اعترفوا بتلقى أموال من قادة جبهة الإنقاذ ومن رموز الحزب الوطنى المنحل، والهدف من ذلك هو الترويج لفكرة أن الثورة على مرسى تعنى العودة إلى النظام القديم، وأن الحزب الوطنى هو من يحرك جبهة الإنقاذ، وقد وصلت هذه الاستقالة إلى الإعلام وأحدث نشرها ضجة لا مثيل لها، فقد أسقطت ورقة التوت عن سوءة نظام الإخوان، وهنا تأكد لجميع التيارات الأصولية أن الدفة تميل عليهم وأن الإعلام هو المحرض على ذلك، فقام حازم أبوإسماعيل والذى لا أدرى مؤهلاته كى يصبح قطبًا وشيخًا يلتف حوله الآلاف من المريدين الذين أطلقوا على أنفسهم «حازمون»، وبإشارة منه تجمع هؤلاء وحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامى، وقاموا بالاعتداء على سيارة المخرج خالد يوسف وأجبروا بعض ضيوف القنوات الفضائية على عدم الظهور بمنعهم من دخول المدينة، وراحوا يفاخرون بهمجيتهم حين ذبحوا العجول على أبواب المدينة، والتى أسموها بأسماء معارضيهم من الإعلاميين ونصبوا الخيام واعتدوا على مرافق الدولة ببناء حمامات فى الحديقة الموجودة بين نهرى الطريق، وما زال موقع اليوتيوب يزخر بعشرات من مقاطع الفيديو التى تكشف تفاخر هؤلاء بأفعالهم التى لا تتفق مع الدين فى شىء فضلًا عن خروجها على القانون، وكان كل هذا يتم بمباركة وتأييد السيد الرئيس وجماعته وكانت الشرطة عاجزة عن فض هؤلاء، لأن ذلك سيؤدى إلى مزيد من الاحتقان ومزيد من الدماء، ولم يتوقف صدى استقالة المستشار مصطفى خاطر على الإعلام والرأى العام فقط، بل امتد إلى أعضاء النيابة العامة الذين أعلنوا الدخول فى اعتصام مفتوح بدار القضاء العالى حتى يرحل النائب العام المعين طلعت إبراهيم، ودعا المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة إلى جمعية عمومية عاجلة وفيها تضامن قضاة مصر مع خاطر وطالبوا النائب العام بالاستقالة الفورية وفى مساء ١٧ ديسمبر ونتيجة لكل هذه الضغوط، أعلن المستشار طلعت إبراهيم استقالته من موقعه، ويبدو أنه قد فعل ذلك دون تنسيق مع أحد، وبإرادة شخصية منه للخروج من الأزمة، ولكن يبدو أن هذه الاستقالة لم ترق لأعضاء جماعة الإخوان ولا للرئيس فمارسوا ضغطًا عليه بان أثرها فى اليوم التالى مباشرة، حيث أعلن سحبه الاستقالة وبقاءه فى منصبه، وصرح بأنه قد تعرض للابتزاز من أعضاء النيابة العامة، وبعثت جماعة الإخوان بمئات من الشباب للوقوف أمام دار القضاء العالى واستفزاز أعضاء النيابة من المعتصمين داخل المبنى والذين التزموا عدم الرد على الإهانات بغية تفويت الفرصة على الإخوان فهم قد أتوا بنية الاشتباك مع أعضاء النيابة وإرهابهم وإجبارهم على فض الاعتصام تمامًا كما فعلوا مع معتصمى الاتحادية، وفى نفس اليوم قام بعض شباب الإخوان بالاعتداء على المستشار أحمد الزند عند خروجه من نادى القضاة، أرأيتم كيف وصل الحال بمصرنا؟ وكيف صرنا دولة بلا قانون؟ وللحديث بقية.