بقلم – أيمن سلامة:
ما إن انتهت أحداث الاتحادية فى ديسمبر ٢٠١٢، حتى سادت ربوع البلاد موجة عنف جديدة بين الإخوان ومعارضيهم، وذلك استمرارًا لموجات العنف الأهلى الذى لم تكن مصر قد عرفته فى تاريخها الحديث، ولكنها شهدته وبقوة منذ ٢٥ يناير ٢٠١١، فأسفر عن سقوط مئات الضحايا من المصريين وعن استقطاب واضح فى المجتمع المصرى ومحاولة إلصاق تهمة القتل إلى طرف ثالث مجهول، وعن هذا الطرف الثالث قيل الكثير والكثير، ولكن ما حدث عقب صدور الإعلان الدستورى جعل الأمر واضحًا، فالصراع هنا بين فريقين كلاهما يريد من الآخر أن يتراجع عن موقفه، والحرب معلنة والاستفزاز مستمر، فحازم أبوإسماعيل ورجاله يحاصرون مدينة الإنتاج الإعلامى ويعتدون على مرافق الدولة ولا أحد يستطيع منعهم، وعبدالمنعم الشحات ومحمد العمدة وغيرهما من الوجوه التى تظهر على شاشة قناة ٢٥ يناير التى يمتلكها الإخوان يقولون صراحة إن القوى الإسلامية قد وصلت إلى الحكم ولن تتركه للعلمانيين واليساريين مهما كلفهم ذلك، وها هو الشيخ محمود شعبان وغيره من شيوخ الإخوان والسلفية يظهرون على شاشات الفضائيات، ويعلنون فتواهم بتكفير قادة جبهة الإنقاذ ومنهم من أكد أن محمد البرادعى كافر، وآخر قال بالحرف كل من يخرج على الدكتور محمد مرسى هو كافر مرتد وجب قتله، ولا شك أن هذه الفتاوى كانت تزيد من الاحتقان وتأتى بنتيجة عكسية، وقد ظهر ذلك جليًا فى ميادين مصر المختلفة، حيث احتشد المئات فى ميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية وجرت اشتباكات ومعارك أدت إلى سقوط ضحايا جدد، وتم الاعتداء على القيادى الإخوانى صبحى صالح، وفى نفس الوقت تم الاعتداء على اليسارى والبرلمانى المخضرم كمال أحمد، وفى القاهرة والمحلة وطنطا والبحيرة تم حرق العديد من مقرات الأحزاب سواء الليبرالية أو الإسلامية، وقام العشرات بحصار مبنى مكتب الإرشاد بالمقطم وإلقاء الطوب والحجارة على نوافذه، وقد انضم لهذا الحصار بعض الصحفيين الذين تعاطفوا مع زميلهم الشهيد الحسينى أبوضيف، فراحوا يهتفون «يسقط يسقط حكم المرشد» وأعلنوا اعتصامهم أمام مبنى مكتب الإرشاد، فما كان من شباب الإخوان سوى إطلاق الخرطوش من داخل المبنى على المتظاهرين الذين يحاصرونه، وقد نجح البعض فى تصوير عبدالرحمن عز وأحمد المغير وغيرهما وهما يمسكان بالسلاح ويقفان فى نوافذ مبنى مكتب الإرشاد ويطلقان النار على المتظاهرين، وكانت الصور واضحة وكذلك الفيديوهات، وتطور الأمر هناك إلى الاشتباك بالأيدى وبالسلاح وإلقاء زجاجات المولوتوف على المبنى، وفى محاولة منه لنزع فتيل الأزمة عقد المستشار محمود مكى نائب الرئيس مؤتمرًا صحفيًا بقصر الاتحادية وأعلن فيه أن الخروج من المأزق الذى نحن فيه يتطلب جهدًا وتعاونًا من الجميع وأن سرعة الانتهاء من وضع الدستور والاستفتاء عليه ستنهى المشكلة التى خلقها الإعلان الدستورى، وفى معرض إجابته على أسئلة الصحفيين اعترف مكى بأنه قد فوجئ بصدور الإعلان الدستورى، وأنه لم يكن يعرف عنه شيئًا، وأنه من وازع ضميره وانتمائه للسلطة القضائية كان سيرفض الموافقة على هذا الإعلان، لو أن أحدًا قد عرضه عليه، ولا شك أن هذه التصريحات كانت بمثابة الخنجر الذى طعن مرسى فى ظهره، ونتيجة لهذا اجتمع عصام الحداد مع أحمد عبدالعاطى وياسر على وخالد القزاز وأيمن على وأيمن هدهد، وتوصلوا إلى ضرورة إبعاد مكى عن المشهد السياسى، فأرسل ياسر على إلى جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة خطابًا يؤكد فيه أن لا أحد فى قصر الاتحادية يملك حق الدعوة لمؤتمرات صحفية إلا هو فقط باعتباره المتحدث الرسمى للرئاسة، وقد فسر قادة الإخوان تصريحات مكى بأنه يريد أن يقدم نفسه للرأى العام المصرى كبديل لمرسى حال تصاعد الغضب الجماهيرى عليه، ولذا قرروا إضافة المادة (١٥٣) للدستور الجديد والتى تقضى بعدم وجود هذا المنصب الذى وجده الإخوان خطرًا على الرئيس، وتم إرسال هذه المادة إلى المستشار حسام الغريانى ووضعها فى سياق الدستور الذى طلب مرسى من لجنته سرعة الانتهاء منه كى تخرج البلاد من دائرة الانقسام التى أحدثها الإعلان الدستورى، ولما علم محمود مكى بما يحدث تقدم باستقالته من منصبه فرفضها مرسى وطلب منه الاستمرار فى أداء عمله، وواصلت الجمعية التأسيسية لوضع الدستور عملها، وبعد ليلة طويلة جدًا، أصيب فيها البعض بالإغماء والإجهاد قررت الجمعية التأسيسية إنهاء صياغتها للدستور الجديد، فأصدر مرسى قراره بطرحه للاستفتاء متجاهلًا الاعتراضات التى أدت إلى انسحاب العشرات من هذه الجمعية التأسيسية، وفى ظل هذا الانقسام وهذا العنف والصراع لم يكن للقوات المسلحة أن تظل صامتة، وأن تغض الطرف عما حدث، فحماية الأمن القومى ووحدة الكيان الوطنى ومواجهة المخاطر التى تهدد أمن الوطن هى من صميم مهام جيشنا، لذا فقد صدر بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، والذى يدعو الجميع إلى لقاء عاجل للتشاور والوصول إلى حل للأزمة، وجاء فى البيان «أن القوات المسلحة تدعم الحوار الوطنى والمسار الديمقراطى الجاد والمخلص حول النقاط المختلف عليها، وصولًا للتوافق الذى يجمع أطياف الوطن. ولا شك أن هذا البيان كان صدمة لمرسى وللإخوان.. وللحديث بقية.