إرادتنا وإرادة الله جملة تعنى الكثير، فنحن نريد ولا نرى والله يريد لنا وله الرؤية الكاملة.
نغوص فى قاع الحياة، ونمر بالكثير ونرى ما نحب وما لا نحب ونتمنى أشياء كثيرة ويرتفع سقف طموحنا لما نراه مع الآخرين.
فى قديم الزمان كانت مقولة الحاجة أم الاختراع، فعندما أراد الإنسان فى العصور القديمة أن ينتقل من مكان لمكان بشكل أسرع، اخترع الكثير من وسائل النقل وكان فى بادئ الأمر فكرة، ولكنها تطورت وأصبحت مجموعة من تطويرات الفكرة حتى أصبحت لما نحن عليه الآن، وكنا نرى فى رسومات المعابد للفراعنة وبلاد ما بين النهرين ظهور فكرة العجلات التى تجر بواسطة الخيول.
لقد كانت حضارتنا كبيرة لوجود عقول تفكر وأيدٍ تصنع وشعب يعتمد على نفسه.
نريد الآن أن نعيش عيشة كمختلف الشعوب التى نراها تعيش فى بلاد نظيفة وتلقى الرعاية الجيدة من حكوماتها، ولم نسأل أنفسنا هل نحن نستحق ذلك؟ هذه هى إرادتنا ولكن ما هى إرادة الله لنا؟
هل نحن شعب كما نقول متدين بطبعه ومحفوظ من قبل الله وهل الشعوب الأخرى بمختلف ديانتها غير متدينة ولا يحفظها الله؟
فكيف بهم وكما نراهم يستمتعون بحياة راقية وتلك هى إرادة الله!
لو أمعنا النظر لتلك الشعوب وتفحصنا درجاتهم وقد خلق الله الناس درجات، فسنجد أن هناك الفقراء ومتوسطى الحال والأغنياء، وكل ملتزم بدرجته فهو مؤمن تماما أن عمله وقدراته الشىء الوحيد الذى سيرتفع به من درجة للدرجة الأعلى. فلا يوجد هناك ما يسمى بفساد الواسطة وإن وجدت لن تستمر للفظ المجتمع لما هو غير متوافق مع طبيعته البناءة. هناك شعوب تحب الأرض وتكره أن ترى بلادها بشكل غير مناسب سواء كانت بلادًا سياحية، فهى نظيفة أم كانت صناعية فهى أيضا نظيفة، أم كانت زراعية، فالنظافة على سبيل المثال لن تنبع من شركات النظافة، إنما تنبع من حب الإنسان لمحيط حياته.
لقد كنا فى قديم الزمان نهتم ببلادنا وبتعليمنا، ونعيش فى درجة لا نعلو عنها بأحلامنا، ولا ندنو عنها نتيجة أعمالنا فكنا عظماء.
من المهم أن يعرف كل شخص أنه يجب أن يتحرك فى محيط حياته لكى لا تنهشه الصقور، ولا تأكله الأسماك الكبيرة، فخير الأمور أن تعرف المستوى الحقيقى لفكرك وعلمك وتعليمك وثقافتك وبيئتك، لتعيش فى سلام ولكى تستطيع أن تطور من نفسك، فلن تتطور إلا إذا عرفت مكانتك الحقيقية، ولن تعيش فى سلام إلا إذا عرفت قدراتك الحقيقية، فعيشة غيرك قد لا تتناسب معك، وما تحلم به قد يكون أهم سبب لفنائك. فى إحدى البحيرات كانت هناك سمكة كبيرة ومعها ثلاث سمكات صغيرات، أطلّت إحداها من تحت الماء برأسها، وصعدت عاليًا، فرأتها الطيور المحلّقة فوق الماء، واختطفها واحد منها، ثمّ التقمها، وأصبحت غداءً له! ولم يتبق مع الأمّ إلا سمكتان! قالت إحداهما: أين نذهب يا أختي؟ قالت الأخرى: ليس أمامنا إلا قاع البحيرة، علينا أن نغوص فى الماء إلى أن نصل إلى القاع! وغاصت السّمكتان إلى قاع البحيرة، وفى الطريق إلى القاع وجدتا أسرابًا من السّمك الكبير المفترس! أسرعت سمكة كبيرة إلى إحدى السّمكتين الصغيرتين، فالتهمتها وابتلعتها، وفرّت السّمكة الباقية. إنّ الخطر يهددها الآن فى أعلى البحيرة وفى أسفلها! فى أعلاها ستقوم الطيور المحلقة بالتهامها، وفى أسفلها يأكل السّمك الكبير السّمك الصّغير، فأين تذهب؟ ولا حياة لها إلا فى الماء! لقد ولدت فيه، وبه نشأت. أسرعت إلى أمّها خائفةً مذعورةً، وقالت لها: ماذا أفعل يا أمّي؟ إذا صعدت اختطفنى الطير، وإذا غصت ابتلعنى السّمك الكبير، قالت الأمّ: يا ابنتى إذا أردت نصيحتى اعرفى أن الحياة تكمن فى البيئة التى خلقتِ لتعيشى فيها!.