ذكرنا فى المقال السابق أن مرسى قد ترك مصر وهى على شفا حرب أهلية، وسافر إلى إثيوبيا لحضور مؤتمر القمة الإفريقية، وكان أكبر ظنه أنه سيعود زعيمًا وفارسًا جسورًا عندما يتمكن من إقناع الحكومة الإثيوبية بإرجاء بناء سد النهضة أو على الأقل النظر فى إعادة حصة مصر من مياه النيل إلى سابق عهدها قبل توقيع دول حوض نهر النيل لاتفاقية عنتيبى فى فبراير٢٠١١ وقتما كانت أنظارنا متجهة صوب ميدان التحرير، حيث تنحى الرئيس مبارك وحيث الانفلات الأمنى، وهروب أكثر من ثلاثين ألف سجين والمليونيات المتكررة كل جمعة، تارة لإجبار شفيق على الاستقالة، وتارة أخرى لإجبار المجلس العسكرى على تقديم مبارك للمحاكمة ومرة لإرغام رئيس مصلحة الطب الشرعى على الاستقالة، لأنه صرح بأن صحة مبارك تتطلب وجوده فى المستشفى، ومرة لتطبيق الشريعة، وكنا نجلس أمام التلفاز لنتابع بشغف بكاء وائل غنيم وتصريحات مصطفى النجار وأسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح عن المليونية القادمة، وبعضنا كان يطلع على وثائق أمن الدولة التى عثر عليها «الثوار» أثناء اقتحامهم لمقار هذا الجهاز الأمنى الخطير.. كان الشعب مشغولًا بكل هذه الأحداث الكفيلة بإسقاط دولة، بينما كانت إثيوبيا تخطط بتعاون مع دول إقليمية لبناء السد الذى لم يجرؤ أحدهم أن يتحدث بشأنه طوال فترة حكم الرئيس مبارك، وبعد أيام من تنحيه تغيرت الاتفاقية التى أبرمت عام ١٩٢٩ والمعروفة باتفاقية تقاسم مياه النيل، وظن مرسى كما صور له المرشد العام للإخوان أن باستطاعته حل هذه الأزمة ليعود إلى مصر بهذا الإنجاز الذى سيزيد حتمًا من شعبيته المهزوزة منذ إصداره للإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢، ولكن أتت الرياح بما لا يريده مرسى، ففى حين أعلن ياسر على المتحدث الرسمى باسم الرئاسة وقتها بأن مصر وإثيوبيا قد اتفقتا على ضرورة مواصلة التنسيق بينهما فى ملف مياه النيل، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين استنادًا إلى التزام كل طرف بمبدأ عدم الإضرار بمصالح الطرف الآخر، ونشرت الصحف والمواقع الإخبارية نقلًا عن مصدر مجهول بأن مباحثات مرسى مع ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبى كانت إيجابية للغاية وشهدت تفهمًا واضحًا من الحكومة الإثيوبية لطلبات الجانب المصرى، وهذا ما أكدته وكالة الأناضول، هذه الوكالة التى أصبحت المصدر الرئيسى لكل الأخبار الرسمية المصرية منذ وصل مرسى إلى الحكم وأصبحت البديل للوكالة الرسمية لمصر، وهى وكالة الشرق الأوسط، فالإخوان لا يثقون فيها بقدر ثقتهم فى الوكالة التركية، والأخبار الحصرية تخرج من مكتب المرشد أو من الرئاسة إلى وكالة الأناضول وهى التي تقوم بتوزيعها ونشرها، أرأيتم الوطنية التى يمارسها الإخوان؟، المهم أنه رغم كل هذه التصريحات الخاصة بزيارة مرسى، إلا أن الواقع أكد شيئًا آخر يجافى كل ما قيل، فالاستقبال الرسمى لمرسى عكس استهانة إثيوبيا بالنظام المصرى، حيث قامت وزيرة التعدين باستقباله، وذلك بشكل غير لائق فى حين أن رئيس الوزراء الإثيوبى استقبل بنفسه رئيس وزراء جنوب إفريقيا، ولما علقت الصحف المصرية على ذلك انبرت الأقلام الإخوانية دفاعًا عما حدث، فقالوا إنه لم يكن مقصودا، وإن هذه الوزيرة هى أهم شخصية فى إثيوبيا، ولو كانت كل هذه المبررات صحيحة، فما معنى أن تعلن إثيوبيا فى اليوم التالى مباشرة لزيارة مرسى تقديم موعد تحويل مجرى النيل الأزرق ليتم فورا، وما معنى تأكيد الحكومة الإثيوبية فى بيان أصدرته فى اليوم التالى لزيارة مرسى على إصرارها وعزمها بناء السد، وأنه لا مجال للحوار فى وقف المشروع؟، إذن فقد عاد مرسى بخفى حنين ليواجه المشكلات الداخلية المتفاقمة، والتى حولت مصر إلى فريقين متناحرين، والسؤال الذى طرح نفسه آنذاك هو ألم يكن من المفيد أن يذهب هشام قنديل إلى إثيوبيا بدلًا من مرسى، وهو من قدمه جهابذة الإخوان حين تم تعيينه رئيسًا للوزراء بأنه يحمل ملف النيل منذ كان وزيرًا للرى؟.. وبعيدا عن هذا السؤال الذى لا جواب له، فقد اجتمع مرسى ببعض مساعديه وبعض الوزراء المعنيين ليزف لهم نبأ مشاركة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد فى أعمال القمة الإسلامية المقامة فى القاهرة فى فبراير ٢٠١٣، وقد شهد هذا الاجتماع حسبما كتب مصطفى بكرى» حوارًا ساخنًا بين الرئيس والفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى أكد أن الجيش غاضب من طريقة إدارة البلاد، وحذر من أن مصر تمضى نحو الفوضى، وأنه من الضرورى فتح الطريق أمام حل الأزمات والمشكلات التى تهدد البلاد، كما طالب بوقف تدخل جماعة الإخوان فى شئون الحكم، وتحدث مطولًا عن أن الجيش ليس له مطمع فى السلطة، ولكنه لن يبقى صامتًا أمام الخطر الذى يحيق بمصر، ولكن الرئيس رفض الاستماع إلى النصائح التى أسديت له، والتى راح ينقلها للمرشد ولنائبه خيرت الشاطر الذى أوعز لحازم أبوإسماعيل أن يدشن ما سمى بتحالف الأمة الإسلامى والذى يضم سبعة أحزاب أصولية، لتقف أمام جبهة الإنقاذ من ناحية وتكون البديل لحزب النور الذى ذكرنا فى المقال السابق، أنه انقلب على الإخوان نتيجة تعمدهم تشويه قادة الحزب ورموزه، وفى هذه الأثناء حذرت دراسة اقتصادية أمريكية نشرت بالواشنطن بوست، بأن مصر على مسافة ثلاثة أشهر من عموم الفوضى وإعلان الإفلاس بعد تضاؤل الاحتياطى النقدى والخسارة المتوالية للبورصة وهروب الاستثمارات، واستمرار عمليات العنف والمظاهرات. وهنا كتب البرادعى للمرة الثانية مستشهدًا بهذه الدراسة ومستنجدًا بجيش مصر لإنقاذها من الهلاك القادم، ولكن الرئيس مرسى كان مشغولًا فى هذا الوقت بنقل إقامته هو وأسرته إلى قصر السلام الملحق بالاتحادية.. وللحديث بقية.