كانت الأيام تمر والأحداث تتوالى ومصر تسير نحو مصير محتوم وهو الحرب الأهلية التى ستقضى على الأخضر واليابس، ففى العشرين من مارس ٢٠١٣ اشتبك شباب جبهة الإنقاذ مع ميليشيات جماعة الإخوان فيما عرف بـ«جمعة رد الكرامة»، وانتهى الأمر بسقوط أكثر من مائتى وخمسين مصابا، وبعد يومين هدد حازم أبوإسماعيل بحصار بيوت كل السياسيين المعارضين للدكتور مرسى، وأكد استمراره فى حصار مدينة الإنتاج الإعلامي، وخرج عاصم عبد الماجد يردد عبر برنامج تليفزيونى فى قناة إخوانية بأن التيار الإسلامى لن يترك أعداء الإسلام يحاولون التأثير على الشعب المصرى، وإثارته على حكم الدكتور مرسى، وفى سبيل ذلك ستكون هناك خطوات تصعيدية ضد كل من تسول له نفسه الخروج على الشرعية، وذهب عاصم عبدالماجد إلى اتباع حازم أبو إسماعيل عند مدينة الإنتاج الإعلامى، وتم الاعتداء فى حضوره على كل إعلامى أو ضيف يدنو من أسوار المدينة، وتم تحطيم سيارة الإعلامى عمرو الكحكى وريهام السهلى والدكتور محمد أبوالغار وضياء رشوان، وتم تسليط بعض البلطجية كى يندسوا وسط المعارضين حين يسيرون فى مظاهرة، ويتم ضربهم بالقفا وتصوير هذا الحدث لإثارة السخرية والتهكم من قادة جبهة الإنقاذ، وبدأ الإخوان مرحلة جديدة فى حكمهم، وهى ما يمكن أن نسميها مرحلة الابتزاز، فالمحنة الاقتصادية أصعب من أن يعالجها الاعتماد على القروض القطرية، وإذن فمن الضرورى البحث عن طرق جديدة لجمع أموال سريعة والبدء فى مشروعات يتم إسكات الرأى العام بها، إذ لا شىء يحدث البتة منذ تولى مرسى الحكم فى يونيو ٢٠١٢ وحتى مارس ٢٠١٣، وكل ما فى الأمر أنه يسافر كثيرا إلى خارج البلاد ثم يعود بلا نتائج ملموسة، أما الشوارع فما زالت مليئة بالقمامة، والكهرباء تنقطع ليل نهار، وأزمة أنابيب البوتجاز لا تحل، فضلا عن حالة الغليان الموجودة فى الشارع المصرى منذ صدور الإعلان الدستورى، وبدأت مرحلة الابتزاز بسفر مفاجئ لخيرت الشاطر إلى ليبيا، حيث التقى محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطنى وقتها، وهو من المتعاطفين مع الإخوان، وتم الاتفاق بينهما على تسليم مصر لبعض اللاجئين السياسيين الليبيين، وعلى رأسهم أحمد قذاف الدم فى مقابل ٢ مليار دولار، وبالفعل تم القبض على قذاف الدم، ولكن الضجيج الإعلامى الذى صاحب عملية القبض عليه جعل تسليمه للحكومة الليبية أمرًا صعبًا، لأنه يمثل إحراجًا للدولة المصرية التى سبق وأن منحته حق اللجوء، ولا يليق بدولة عريقة كمصر أن تسلم أى لاجئ لديها مهما كان الثمن، وإذا كانت عملية تسليم قذاف الدم قد فشلت فإنها لم تفشل مع اثنين آخرين من كبار الشخصيات الليبية، واستمرارًا لعمليات الابتزاز فقد تعرض معظم رجال الأعمال لأقصى ما يمكن أن يتعرض له البشر، مما تسبب فى هروب بعضهم إلى خارج البلاد، وكان أسعد شيخة وحسن مالك وخيرت الشاطر وأحمد مرسى نجل محمد مرسى يفاوضون رجال الأعمال علانية ويجالسونهم فى الفنادق الكبرى أمام الجميع، وكأنهم يبعثون رسالة لمن يهمه الأمر مفادها بأننا نفاوض هؤلاء بكل قوة وعلى «عينك يا تاجر»، ولا أحد يستطيع محاسبتنا، فلقد وصلنا إلى التمكن من كل شىء، وصارت مصر فى أيدينا، ولن نترك الحكم قبل ستمائة عام على الأقل، وهكذا تغيرت لهجة الحديث والمخاطبة، وأذكر أن إخوانيًا من قيادات الجماعة صرح بأن الشعب المصرى هو الشعب الوحيد فى العالم الذى يعرف السهر، ومن الضرورى تغيير هذا النمط، ولذا سيتم غلق جميع المقاهى والمحلات فى موعد غايته العاشرة مساء، ولما سألته المذيعة عن القنوات الفضائية هل ستغلقونها هى الأخرى، فقال بمنتهى الكبرياء «أهى دى اللى لازم تتقفل وفورًا»، وخرج صلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام الإخوانى، ليصرح بأن بعض الإعلاميين لديهم قضايا فساد ولن نرحمهم، فى تهديد واضح وصريح لا يصدر من وزير إعلام بل يجب أن يصدر من هيئة رقابية، وصرح أيضا بأن بعض القنوات سيتم إغلاقها لعدم بثها من داخل مدينة الإنتاج، وتتمكن المخابرات والقوات المسلحة من جمع بعض المعلومات التى تؤكد دخول عناصر فدائية ومتشددة عبر الأنفاق الرابطة بين سيناء وغزة وكلهم تقريبا يحملون الرقم القومى المصرى، وبعد سلسلة من التحقيقات تم اكتشاف سرقة ماكينة طباعة الرقم القومى من مصلحة الأحوال المدنية بواسطة عناصر إخوانية، وأن خطة ممنهجة تتم فى سيناء لتوطين المئات من الفلسطينيين المتشددين، وحملهم لهويات مصرية كى يسهل لهم التحرك داخل البلاد، وهنا قرر الجيش دك هذه الأنفاق، ولكن المدهش أن السيد رئيس الجمهورية يطلب من وزير الدفاع التمهل فى هذا الإجراء، لأن الأنفاق هى شرايين الحياة بالنسبة لإخواننا فى غزة، هكذا قال فى لقاء سريع على سلم الاتحادية، فاستمع له الجميع وتناقلوه فى دهشة، واستمعوا أيضا إلى الرد الحاسم للفريق أول عبدالفتاح السيسى حين قال مسألة الأنفاق منتهية للحفاظ على أمن مصر، ونحن مستمرون فى تدميرها، وفى مارس ٢٠١٣ أيضا عاد البرادعى يكرر دعوته للجيش للمرة الثالثة كى يتدخل، وكتب بالحرف الواحد على صفحته بتويتر «إن الواجب الوطنى يحتم عليه – أى الجيش- التدخل، فمصر على شفا التراجع، وهذا سيكون القرار الصحيح لتحقيق الاستقرار.. وللحديث بقية.