لا شك أن الإعلام بوسائله المختلفة التقليدية منها والحديثة هو الناتج الذى استحوذ على معظم ثمار التقدم فى الحضارة الإنسانية فى الوقت الحاضر، فلقد تطورت أدواته واتسعت مساحاته واشتدت تأثيراته حتى بات الناس على دين إعلامهم..!
عندما تتأمل معظم مشكلات المجتمع المصرى حاليا وقبل عقود من الآن سوف تجدها فى قلة الإمكانيات المادية التى تمكن أى حكومة من تنفيذ برامجها على أكمل وجه، ومن ثم تلبى احتياجات الشعوب التى تنتظر منها حلولا سحرية أو عصا موسى لكى تخرج من عنق الزجاجة إلى التقدم والاستقرار الذى تنشده المجتمعات.. وفى الفترة الأخيرة زادت نسبة الفقر فى البلاد بنسبة كبيرة وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء برئاسة اللواء أبو بكر الجندى، والتى أكدت أن ٢٧.٨٪ من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، وأن ٥٧٪ من سكان ريف الوجه القبلى فقراء مقابل ١٩.٧٪ من ريف الوجه البحرى، وأن نسبة الفقراء عام ٢٠١٥ هى الأعلى منذ عام ٢٠٠٠ بنسبة ٢٧.٨٪، وأن نسبة الفقراء فى مصر وصلت إلى أعلى مستوياتها فى مصر فى محافظتى سوهاج وأسيوط بنسبة بلغت ٦٦٪، تليهما محافظة قنا بنسبة ٥٨٪، وأن أقل نسبة للفقراء فى مصر فى محافظة بورسعيد بنسبة ٦.٧٪، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة ١١.٦٪، وأن ١٨٪ من سكان القاهرة من الفقراء، الأمر الذى يدعو حكومتنا إلى التفكير فى حلول سريعة، وبالنظرة إلى الاقتصاد «غير الرسمي» الذى عرفته مصر منذ بداية الثمانينيات حتى الآن، وانتشر مع انتشار ثقافة الفوضى التى شهدتها فترة الانفتاح الاقتصادى واستمرت فى التوسع والانتشار حتى أصبحت تحتل أكثر من ٤٠٪ من الاقتصاد الكلى للدولة، وكان يجب أن تكون هناك قبضة صارمة من الدولة عليه وإيجاد طريق لدمج هذا الاقتصاد الذى قارب ٣ تريليونات جنيه، ولكن ربما افتقاد الرؤى الاستراتيجية لدى الحكومات المتعاقبة ساهم فى تدهور الاقتصاد الرسمى الذى يخضع لقوانين ومعايير الدولة مقابل ازدهار الاقتصاد الرصيف الذى يغرد خارج إطار الدولة والموازنة العامة، ويستفيد بالبنية التحتية للدولة من طرق وكهرباء ومياه وصرف صحى دون مقابل، ولا يخضع لأى ضريبة أو رقابة بالرغم من أن معظم هذه البضائع رديئة الخامات وتباع بأسعار أقل من السوق الرسمية، وبالتالى تحقق أرباحًا ١٥٠٪.
على أى حال الاقتصاد «غير الرسمى» تصل قيمة البضائع التى تباع على الأرصفة فى مختلف أنحاء الجمهورية، سواء بضائع محلية أو مهربة إلى أكثر من ٢.٥ تريليون جنيه، تباع من خلال ١٢٠٠ سوق عشوائية، ويعمل بها ٨ ملايين بائع متجول، وذلك وفقا لآخر دراسة صادرة من اتحاد الصناعات، والتى كشفت أن هناك تضخما فى السنوات الأربع الأخيرة فى حجم الاقتصاد «غير الرسمى»، وتهدر حوالى تريليون جنيه ضرائب سنوية على خزينة الدولة، فى الوقت الذى تستفيد من كل الخدمات التى تقدمها الدولة، ويدفع الاقتصاد الرسمى ثمنها دون وجه حق، وربما يعود النمو السرطانى لتجارة الأرصفة أو الاقتصاد غير الرسمى إلى انعدام الرقابة فى الأسواق الداخلية، أو حتى عبر المنافذ الجمركية، فضلا عن عدم وجود اختصاصات واضحة وتضارب الأجهزة الرقابية، مما أسهم فى زيادة الفوضى فى السوق المصرية، فانتشر تهريب السلع والمنتجات، ومن جانب آخر، سيطر الباعة الجائلون على الميادين والشوارع الرئيسية بشكل سرطانى وأنشأوا أسواقا عشوائية حول جسد الدولة كله فى الفترات الأخيرة! على أية حال؛ إن استمرار توسيع الاقتصاد غير الرسمى سوف يزيد من التحديات التى تواجه الاقتصاد الرسمى، ومعول هدم فى الكيان الاقتصادى للدولة، فى حين إن تم دمج هذا الاقتصاد غير الرسمى تحت عباءة الاقتصاد الرسمى؛ فسوف يترتب عليه سد عجز الموازنة تماما ويصبح أيضا هناك فائض، بالإضافة إلى استغناء مصر عن القروض سواء الداخلية أو الخارجية.