بقلم – رائد العزاوي
فى عشرينيات القرن الماضى كان هنا فى القاهرة رئيس الوزراء العراقى نورى السعيد، هذه الشخصية السياسية الفذة بكل معانى الحنكة السياسية، البعض اعتبره رجل بريطانيا فى المنطقة وهو صاحب حلف بغداد الذى أراد به الغرب قتل أحلام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
لا أريد أن أسهب طويلا فى قصة نورى السعيد أو علاقته بالنحاس باشا فكتب التاريخ كفيلة بذلك، لكن عشق نورى السعيد لحى الزمالك له ألف قصة وقصة ومنها، أن نورى سعيد أو السعيد كما كان كتاب مصر يكتبون اسمه، كان مولعا بالقاهرة لكن زيارته بيت أحمد المرعشلى باشا فى الزمالك كانت نقطة فارقة فى تاريخ الرجل.
حدث ذلك فى منتصف العشرينيات عندما قررت المملكة العراقية أن تفتح لها سفارة فى مصر، فما كان من نورى السعيد إلا أن سار فى شوارع القاهرة كلها حتى دخل شارع البرازيل وجلس فى أحد المقاهى ثم انتقل مشيا على الأقدام حتى وصل إلى كنيسة كبيرة أراد أن يتوقف عندها لكن الحرس منعه لأنها مقر سفارة الفاتيكان.
ولأن نورى السعيد كان على علاقة جيدة بالبريطانيين فقد قرر أن يشترى بيتا بجانب سفارة الفاتيكان وهنا اشترى ذلك البيت المطل على النيل ليكون بعدها سفارة العراق فى الزمالك.
ليست أيضا هذه هى القصة، اختيار نورى سعيد شارع أحمد مظهر ليكون علامة مهمة لسفارة العراق، وأحمد مظهر هذا كان ضابطا مهندسا فى صفوف جيش محمد على استقر به الحال فى الزمالك بعد أن أصيب بأمراض فى الرئة، وأحمد مظهر مهندس القناطر الخيرية وهو أحد المهندسين الكبار فى حينها.
لم تكن علاقة العراقيين بالزمالك علاقة عابرة يحدثنى أحد أصدقاء والدى فيقول إن عبدالناصر استأجر لبعض الضباط العراقيين الذين كانوا على خلاف مع رئيس الوزراء العراقى عبدالكريم قاسم الذى أطيح به عام ١٩٦٣ ولجأوا إلى مصر، شقتين فى شارع شجرة الدر وشارع المرعشلى.
كان بعض السياسيين العراقيين فيما مضى من الزمن الجميل يترددون كثيرا على الزمالك، يقول السياسى العراقى صالح جبر فى مذكراته «لم أجد أجمل من هذه الجزيرة الجميلة ولكم تمنيت أن أقضى باقى سنوات حياتى فيها»، جمال الزمالك يكمن فى بيت أحمد باشا حسنين «آخر رئيس ديوان ملكى» فهو رجل مضياف وصديق رائع.
تواصل حب العراقيين لمصر بكل تفاصيلها وللزمالك نصيب منه فهناك رابطة لمحبى نادى الزمالك فى العراق، وأيضا الكثير من العراقيين ممن يزورون القاهرة يقيمون فى فندق أم كلثوم بالزمالك حبا فيهما، ولأن العراقيين يقرأون كثيرا فلا بد من زيارة مكتبة ديوان، ومن ثم الأكل فى مطعم أبوالسيد المطعم الوحيد الذى يقدم الشاى على الطريقة العراقية بقدح «استكان»، وقصص العلاقة كبيرة لا يسعنى أن أتذكرها جميعا.
ولست ببعيد عن الزمالك.. أعرف شوارعها ولا يحلو لى إلا مطعم توماس وشارع شجرة الدر ومطعم أسماك الجمهورية ثم الجلوس فى مكتبة جميلة بشارع السيد البكرى.
فى يومنا هذا لا يسكن الزمالك إلا عائلة واحدة من العراق، هذا طبعا بالإضافة إلى السفارة العراقية التى لا أرى فيها غير مبنى للعمل الإدارى ليس إلا، فهى بعيدة عن أن تكون جزءا من حب العراقيين للزمالك بعد أن تعاقب على العمل فى تلك السفارة بعض الموظفين الذين لا يعرفون شيئا عن مصر فكيف سيعرفون تاريخ الشارع أو حتى تاريخ مصر؟ أو لماذا سُمى الشارع بأحمد مظهر؟ فأغلب من سألتهم كانوا يعتقدون أن اسم الشارع على اسم الفنان الراحل أحمد مظهر.
هكذا خطف حى الزمالك السحر من عيون بغداد، فكلاهما على شطيه يغفو سر إلهى من الجمال والرقى والرفعة.