في ندوة من العيار الثقيل، عقدها ملتقى الشربيني الثقافي بشبين القناطر، استضاف فيها الكاتب والمفكر نبيل عبد الفتاح، وحضرها حشد من ألمع الكتاب والمبدعين، من داخل محافظة القليوبية وخارجها .. طرحت الأسئلة الصعبة التي ماتزال بلا إجابة. حول الثقافة والفكر والدين والمرأة. والاستنساخ والروبوت ومستقبل رجال الدين والمؤسسات الدينية وتحديدًا. أين نحن مصريًا وعربيًا من التحول والتغير الذي يجتاح العالم في العصر الذي يسميه نبيل عبد الفتاح عصر العاديين الرقمي؟.
اقرأ أيضًا:
-
غدًا .. ملتقى الشربيني الثقافي يستضيف المفكر نبيل عبد الفتاح
-
ملتقى الشربيني يستأنف أنشطته بمشاركة مبدعين وفنانين ونقاد من مختلف المحافظات
الكاتب الصحفي محمود الشربيني
وفي الندوة التي أدارها مؤسس الملتقى الكاتب الصحفي محمود الشربيني. وشارك فيها اكثر من ثلاثين مثقفا مهمومون بالشأن العام. قال الشربيني إن هذه الندوة تمثل بالنسبة له نوعا من المواجهة والتحدي. فنحن نبحث عن شمعة نور تقاوم العتمة. وتحدي الظلاميين والجهلاء الذين تجندهم جماعات وتجعلهم يصعدون إلى منابر الخطابة وهم من دون علم أو فهم. ويروجون للعلاج ببول الإبل ويعتنقون أفكارًا مثل إرضاع الكبير. بزعم أن المرأة عورة، لايحل لها لقاء الغرباء إلا إذا كانوا أخوة لها.مايعني وجوب أن تتحول الأمة إلى مزرعة كبرى للإرضاع حماية للمرأة من الفتنة. متجاهلين أن هذه الوسيلة نفسها أكثر فتنة!.
وأوضح الشربيني. أن الملتقى يسعى دائمًا إلى استضافة كتاب ومبدعين ومفكرين من العيار الثقيل. ليصافحوا وجوه الناس في القرى والنجوع والأرياف. ويتحدثوا اليهم. وأسعدنا أن يلبي نبيل عبد الفتاح الدعوة. وأن يقدم لنا هذه المحاضرة بعنوان « تحولات الثقافة والمثقف في عصر الذكاء الصناعي ومباعد الانسان».
نبيل عبد الفتاح: ثورة الرقمنة أدت إلى سقوط عصر النجوم اللامعة
في بداية حديثة قال نبيل عبد الفتاح. بعد انهيار كل نظريات ما بعد الحداثة وظهور ما أسميته عصر الما بعديات والسيولة الذي يجمع بين الماسبق المستمر. والجديد الذي ما يزال سائدا في القيم والأخلاقيات والصداقة. والحب والجنس والزواج والعلاقات الموازي. لاتزال حالة السيولة قائمة في المرحلة الانتقالية الحالية. وذلك ريثما تتبلور وتتشكل الظواهر الجديدة في عالم السرعة الفائقة. وقد بدأت مؤشرات هذا التحول .
أصعب الأسئلة
وقال عبد الفتاح. إنه في ظل هذا العصر الذي يعاني من الاختلالات البيئية والاحتباس الحراري. وفى ظل التحول المذهل إلى عالم الأناسة الروبوتية تثور عدة أسئلة أولها حول الوضعية الانسانية. في تحولاتها وفي وجودها وطبيعتها وفعلها في الحياة وأنماط تفاعلاتها. ومادور المثقف ورجل الدين والمؤسسات الدينية في هذه التحولات، منوها بأن هناك الكثير من الاسئلة لايزال مسكوتًا عنها من قبلها .
وأفاد إن التغيرات المناخية وظاهرة الاحتباس الحراري كشفت عن اختلالات خطرة على الحياة الانسانية، وأثرت على مسارات الثقافة الإنسانية، وبين ان الطبيعة ردت على هذا التوحش الإنساني و الاستغلال المفرط للبيئة، بإنتاج فيروسات متحورة ،وهناك مخاطر محتملة من ظهور جوائح فيروسية أخري لاتزال غامضة.
وأوضح أن هذه المخاطر سوف تؤثر في مسارات تطور الثقافات الإنسانية. على نحو قد يؤدي إلى زوال مناطق بأكملها في جغرافية العالم، واحداث تغييرات إقليمية وجيوسياسية وجيو دينية وجيوثقافية .. و تحولات ثقافية وسلوكية كالتي حدثت في المجتمعات المتطورة نتيجة جائحة كورونا.
المتغيرات المناخية وتأثيراتها الثقافية
وقال نبيل عبد الفتاح. إن المتغيرات المناخية وتفاعلاتها أيضا ستؤثر في العقل الإنساني، ولن يعود الإنسان مركز الوجود في الفلسفة وفى الفكر، قبل التغير في بُنى الأفكار الموروثة مع الحداثة ومابعدها، ولاشك أن هذا سوف يؤثر على الحالة الدينية في عالمنا بكل مكوناتها الدينية والمذهبية وخاصة مع التحول الى عصر الأناسة الروبوتية ومابعد الإنسانية.
التأثيرات الثقافية على الغذاء والتدين الشعبي
وتطرق عبد الفتاح إلى أشكال أخرى من اشكال التأثير الثقافي للعصر الرقمي، والتي ظهرت في ثقافة الغذاء والدين والتدين الشعبي والتدين الاستعراضي، وفي ثقافة الغذاء تحدث عن الافراط في استخدام الحيوانات والطيور والاسماك وغيرها دون النظر لمخاطر اختلال التوازن البيئي في هذه البلدان كثيفة السكان، حيث ادخلت مكونات ونكهات وأصناف جديدة على الأطعمة ،من دون الاهتمام بتأثيراتها المرضية، فظهرت أمراض جديدة، على نحو ما أشير من علاقات أولية بين مكونات الأكل ونقل فيروس كورونا في الصين.
المؤسسات الدينية
ثم انتقل للحديث عن تأثير ذلك على الدين كمكون ثقافي فرصد أنه مع بروز أزمة المناخ انتبه بعض رجال المؤسسات الدينية إلى أهمية مواجهة مشكلة تغير المناخ، وذلك بعدما أصبحت جزءا من اهتمامات النظام العالمي، و رغم هذا الانتباه الا أن الأسئلة التي يطرحها التغير المناخي والاحتباس الحراري والفيروسات المتحورة «لم تزل مسكوتًا عنها» من قبل المؤسسات الدينية الكبري والوطنية أيا كانت دياناتها أو مذاهبها الخ، رغم إنها تمس الاساس «الميتا وضعي» للدين كثقافة.
والثاني يتعلق بالثورة الجينية والاستنساخ البشري والحيواني ومالاته المستقبلية
والثالث يتعلق بماذا كانت الروبوتات بوصفها آلات ذكية تفكر وتعمل من خلال التنظيم الانساني في مراحلها الأساسية ثم تحولاتها إلى التفكير الذاتي دونما مدخلات معلومات بشرية.
وتساءل: مادور رجل الدين والمؤسسات الدينية في ظل أداء الروبوتات لهذه الوظيفة بكفاءة؟ ثم ماهو مستقبل هذه المؤسسات الوظيفية
نهاية رجل الدين التقليدي
وواصل نبيل تحليله للواقع الثقافي الديني فتحدث عن العصر الرقمي الذي نعيشة، والذي في ظله تزايدت عمليات التحول من الاعتقاد إلى الالحاد ( في مجتمعات عربية مسلمة واقليات مسيحية) وشدد عبد الفتاح على أن الأفكار الدينية لاتزال تعيد انتاج ذاتها وايمانها المطلق بسرديتها وخطاباتها الوصفية التاريخية النقلية ( مستثنيا بعض التغيرات التي طرأت في الاطار البروتستانتي والكاثوليكي رافقت مجيء بابا الفقراء القادم من عالم لاهوت التحرير الاميركي اللاتيني.
وتوقع عبد الفتاح ان تؤدي صدمة عالم الرقمنة إلى حركة ما في اللاهوت والفقه، بل و«نهاية رجل الدين التقليدي النقلي»، متوقعا حدوث مخاضات عنيفة في الأفكار ورفضها، وان العنف الرمزي سيمتد الى السلوك الاجتماعي لجماعات المؤمنين.
وواصل عبد الفتاح طرح أسئلته الصادمة فقال: أين نحن مصريًا وعربيًا من هذه التحولات؟ أكد عبد الفتاح أن حالنا الديني الثقافي في وضعية مأزومة ( جمود الفكر النقلي الوضعي، والجماعات المتطرفة فضلا عن اختراق الفقه النقلي المتشدد والطقوس الشكلانية على السلوك الاجتماعي وعلى الفعل والاعتقاد الديني (الاسلامي- الارثوذكسي).
تغير في أنماط التدين
و شرح ماحدث من تداخل بين أنماط التدين الرسمي والسلفيين والاخوان وتدين الراديكاليات الاسلامية الأخرى، مع التدين الشعبي، وأشار إلى تشكل نمط من التدين العنيف، الشكلاني الطقوس الاستعراضي الأسلوب، واقنعته وتجاوزه للتدين الفردي الأكثر عمقًا ..وتداخلت المرويات مع الأساطير والثقافة الشعبية وبرديات الاصول الدينية التأسيسية والتاريخية، في خلطة أدت إلى التغير في أنماط التدين الشعبي، وإن كان لايزال هناك بعض الاعتدال الديني.
ثقافة الاستعراض الديني
ويضيف : أصبح الاستعراض الديني الرقمي والفعلي قناعا يخفي الإزدواجية والمخاتلة حول الذات الحقيقية وسلوكياتها ومضمراتها الخفية، وفى نظام الزي للمرأة واللحى وتديين اللغة اليومية .هذه الثقافة الاستعراضية باتت تعبيرا اختزاليا عن هوية الفرد.
من ناحية أخرى أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم الى تحريك مستويات ومؤشرات العنف الاجتماعي والأسري، وكلها تعبيرات عن الانفصال بين النخب وما يجري وراء السطوح المجتمعية وشكلياتها ومظاهرها وبعض طقوسها وبين خبايا المجتمع.
أدت ثورة الوسائط الاجتماعية الاتصالية إلى تغير في بعض عناصر المكونة للإدراك الجمعى حول المرأة وادوارها والثقافة المجتمعية حول المرأة على عديد من المستويات، منوهاً بأن معايير الجمال اختلفت .. فالجمال العادي حل محل الأيقوني والسبب التريند و اللايكات و الأموال.
وقال إن ثورة الرقمنة أدت الى سقوط عصر النجوم اللامعة ( بتعبير هيكل) بمعني سقوط عصر الأيقونات في السياسة والجمال الأنثوي وملكات الجمال ، فقد تحول الجمال إلى سلعة وموضة جمالية، وهذا التوجه لم يعد قاصرا على الأثرياء وانما امتد للطبقة الوسطى.
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية