تعددت أشكال الأعمال الدرامية الوطنية التي نجحت في رفع وعي الجمهور، بالإضافة إلى تسجيل للتاريخ وتوثيق الأحداث، وإعادة تكريس الهوية الوطنية بين المواطنين ولاسيما الشباب والأطفال، فمن الأفلام الوطنية التي تعمل على رفع الوعي بالقضايا المختلفة ومرروا بالأغاني الوطنية التي تلهب حماس الشباب لبذل المزيد من الجهد ووصولا الي الدراما الوطنية التي تجمع حولها العائلة.
فمسلسلات «رأفت الهجان» ومرورا بـ«الاختيار 1 و2» و«هجمة مرتدة» و «القاهرة كابول» ووصولا بـ«العائدون» و«الاختيار3»، كانت بمثابة لوحة فنية متكاملة ألهبت شعور الوطنية لدي الجميع حيث نجحت الدراما الوطنية في إعادة تكريس الهوية والانتماء للمواطن ولاسيما لدى الشباب والأطفال.
ولعلي أتذكر كلمات الدكتور عمرو سليمان المتحدث الرسمي لحزب حماة الوطن وأمين اللجان النوعية المتخصصة، تعليقا على قيمة الأعمال الفنية التي قدمت تحليلا متكاملا لأبناء مصر المخلصين الذين يعملون في صمت وهدوء لحماية الوطن بعيدا عن الضجيج المصاحب لزرع الفتن والشائعات. حيث يجب على كل فرد أن يعي جيدا قدر المسئولية الملقاة على عاتقه، فنجد إنتاج رجال مصر المخلصين في حماية الدولة ونجد أخرين من أبناء مصر المتميزين قادرين على الإنتاج في مجالات عديدة منها الصناعة والزراعة والطب والهندسة والعلوم والفنون.
كما نجد نماذج متميزة من المصريين حريصة على الإنتاج المبتكر وتعزيز قيم العمل والبناء والتنمية الشاملة بدلا من الكلام ونشر الشائعات والتركيز على خفض المعنويات والعمل على كثرة الانتقادات اللاذعة والتذمر والذي يؤدي برمته إلى سيطرة العنف السلبي على المجتمع، كما أنه يأخذ من طاقة المجتمع.
وقدم الدكتور عمرو سليمان نصيحة غالية تختص بعلوم الشخصية أنه يلزم علينا أن نعتز بأنفسنا ونفخر بها فالمصريين مش قليلين.. المصريون تجدهم متميزين في كافة المجالات ليس فقط على مستوى الحس الوطني الذي نراه في العائدون والاختيار ولكن على كافة المستويات الاجتماعية والأخلاقية ونشر قيم الحب في جزيرة غمام والضحكة من القلب في الكبير قوي ومكتوب عليا. كما نجد المصريين يبرهنون على حبهم لبلدهم من خلال تميزيهم فنراهم متقلدين أعلى المناصب وحائزين على ارفع الأوسمة في أرجاء المحروسة وخارجها.
فالبطولات التي حققها ويحققها وسيظل يحققها رجال مصر الأوفياء في الحرب على الإرهاب والتطرف كانت بمثابة حجر الأساس للحظة أمان نعيشها الآن.. فبطولات رجال الشرطة والجيش لحماية هذا الوطن العظيم كانت بمثابة الإنطلاق نحو حياة كريمة للمصريين.
فالدماء الذكية التي سالت والأرواح الطاهرة التي صعدت لبارئها والحالات النفسية والجسدية التي طالت العائلات قبل أبناء مصر المخلصين كانت بمثابة فاتورة سددها أبناء مصر من أجل لحظة في حياة الاستقرار والأمان التي نحياها الآن.
فقد دفع هؤلاء الأبطال ومازالوا على استعداد لدفع كل غالي ونفيس من أجل الحفاظ على هذا الوطن العظيم ليؤكدوا أن الجيش المصري هو جيش وطني عظيم عقيدته الدفاع عن الوطن والمصلحة العليا للبلد، ومن ذلك فهو يعد أيقونة العزة والكرامة.
ولا شك أن هناك العديد من الآليات التي تعمل عليها الدولة المصرية لبناء الإنسان ورفع الوعي حيث نجحت الاستراتيجية التي وضعتها الدولة المصرية بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبناء الإنسان المصري في إعداد جيل جديد يتسم بالكفاءة والوعي وقادر على القيادة وفقاً للمتغيرات العصرية الحديثة، وذلك من خلال الاهتمام بالهيئات والمؤسسات والمراكز والهيئات ذات الصلة والتي تركز بالأساس على تنمية مهارات الشباب في مجالات مختلفة، بما يسهم في تحقيق رؤية مصر للتنمية المستدامة في 2030.
حيث وجه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي جهود الدولة لبناء الإنسان عبر مرحلتين، المرحلة الأولى ترتكز على توفير البيئة المواتية لبناء الإنسان من خلال مكافحة الإرهاب بالتوازي مع الاهتمام بمشروعات البنية التحتية وتطبيق برنامج فريد للإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلى تنمية مهارات الشباب في مجال التدريب والتطوير وليكونوا بمثابة منارة التنمية وبارقة أمل في مشروع بناء الإنسان ونهضته بالعلم والمعرفة، على المستوى المحلى والإقليمي والدولي، أما المرحلة الثانية فترتكز على الاستثمار في الإنسان والاهتمام ببناء الإنسان، والاتجاه نحو التحول الرقمي في كافة المجالات، وإتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن أنفسهم ورفع وعيهم وحسهم الوطني.
وبالإضافة إلى الآليات المختلفة لاستراتيجية الدولة المصرية لرفع الوعي، فيعتبر الفن عاما والدراما بصفة خاصة من أبرز أدوات وآليات رفع الوعي لدى الجمهور. فخوض معركة الوعي وبناء الإنسان ليست بهينة، فتغير سلوك البشر أصعب من بناء وتشييد المدن، وهناك العديد من الأدوات التي يمكن أن تساهم بشكل إيجابي وفعال في رفع الوعي الإنساني من خلال الدراما الوطنية. كما أن للدراما الوطنية دور كبير في تهذيب مشاعر المشاهدين تجاه ما يتعرضون له من سلوكيات وأفكار، حيث تعمل الدراما الوطنية على تغيير الصور النمطية لدى الإنسان وتفكك الصور المركبة في عقول النّاس، ومن ثم ترتقي بمشاعر النّاس وترفع فهمهم لقضايا شائكة وحتمية، كما تعمل الدراما على اتساع رؤية المتلقي للتحديات التي تواجه مجتمعه.
ولقد ركزت الدراما الوطنية في السنوات الماضية على عرض وتوثيق أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية ومن ثم نجحت في الوصول إلى أهدافها بدقة وكفاءة عالية، ولعل أبرز الموضوعات التي اهتمت بها الدراما الوطنية هي قضايا الإرهاب والعنف والتطرف، حيث تم عرض دور الدولة للتصدي أمام نشاط تنظيمات العنف والإرهاب، سواء في تنفيذ عمليات التجنيد.. لتكون الدراما الوطنية بمثابة أيقونة لمواجهة السلاح بالفن الراقي.
كما ضمت الدراما الوطنية بعض التسجيلات الوثائقية وذلك في إطار رفع وعي المواطن البسيط بما تتعرض له الدولة وما يمكن أن يتعرض له من قبل التنظيمات الإرهابية ومن ثم نجحت الداما في تفكيك مفاهيم تنظيمات الشر ونجحت في كشف مخططاتهم الدنيئة.
وبالنظر إلى أبعاد معركة الإرهاب والتي تتطلب اصطفاف مجتمعي متكامل لمواجهة تداعيتها، فقد كانت للدراما الوطنية الأثر البالغ في نفوس متابعيها. حيث يستطيع عمل فني واحد أن يفضح مفاهيم ومغلوطات عملت جماعات العنف والإرهاب على مدار عقود أن تنشرها بالإضافة إلى نشر القيم السامية للدولة من خلال قاعدة جماهيرية عريضة حيث يلتف حولها الأسرة المصرية جميعها من صغيرها إلى كبيرها.
ومن أهم الأعمال الدراما الوطنية المميزة مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة، حيث يأتي الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار» في رمضان هذا العام تحت شعار «القرار»، ليستعرض الأحداث السياسية، التي مرت بها مصر بعد عام 2011، وركزت بشكل مباشر على الأحداث التي سبقت ثورة 30 يونيو عام 2013، حيث يعرض المسلسل الصورة الكاملة لجماعة الشر ومخططها في هدم البلاد، كما نجح العمل الدرامي في تقديم أدلة بالصوت والصورة على جرائم قيادات هذا التنظيم ونيتهم الخبيثة تجاه الدولة والشعب المصرية.
وعلى الرغم من أن الأحداث التي يكشفها «الاختيار» عاشها المصريين، ولكن الدراما الوطنية تستعرض حجم الجرائم التي ارتكبها تنظيم الشر في حق مصر، ودور أجهزة الأمن ورجال مصر الاوفياء في مواجهة هذا التطرف للحفاظ على أمن واستقرار هذا الوطن العظيم. كما جاء مسلسل «العائدون»، والذي استعرض جانب من التنظيمات الإرهابية ومخططاتهم، والدور البطولي لأجهزة الأمن المصرية في التصدي لهذه المخاطر داخل وخارج البلاد، وتأتي تلك الأعمال الدرامية الوطنية هذا العام بالإضافة إلى العام الماضي، «هجمة مرتدة» و«القاهرة- كابول»، لتمثل جميعها حالة من الحماس والوعي تتكون في مواجهة الإرهاب، فتأثير حلقة واحدة استطاعت ان تدحض من تأثير مئات الرسائل السامة التي بثتها جماعة الشر لعقود كثيرة بين الشعب.
فتلك الأعمال الوطنية عملت على بث الأمل في عودة الفن الراقي إلى مساره الصحيح ليلتف جميع أفراد الأسرة حول الشاشات من جديد يتابعون ما حدث ويعرفون ماذا يحدث خلال مرحلة من أخطر المراحل التي مر بها الجميع ليجد المشاهد نفسه أمام فن ودراما تنهض بالوعي وترتقي بالذوق، وتكشف الحقائق وتوثق التاريخ والبطولات. وما يستحق التقدير، أن هذا التحول جاء في إطار اهتمام حقيقي بملف الدراما كباقي الملفات الحيوية باعتباره سلاح مهم في معركة الوعي، وتأتي ذلك من خلال خطة مُحكمة ورؤية ثاقبة وعمل مقدر من أبناء مصر المخلصين للحفاظ على الهوية الوطنية.
فقد حققت الدراما الوطنية نجاح مسبوق في استعادة دورها في إعادة بناء الهوية الوطنية في ظل معارك الجيل الرابع والخامس والسادس التي تستهدف العقول، وترتكز على تدمير الشباب.
كما نجحت الدراما الوطنية في إحياء قوة مصر الناعمة لزيادة الوعى لدى الشعوب وتصحيح مفاهيم كثيرة مغرضة ومغلوطة وحماية عقول المصريين من التضليل والتزييف، والدليل على نجاح الدراما الوطنية في تحقيق أهدافها السامية يظهر في حالة التأثير و حجم التفاعل بين جميع فئات المجتمع بالإضافة إلى ترندات مواقع التواصل الاجتماعي وتحقيق أعلى نسب مشاهدات.
فوجود المسلسلات الوطنية ضمن الخريطة الدرامية، تعد ضرورة ملحة لا سيما في شهر رمضان المُبارك، حيث تُسهم في رفع مستوى الثقافة والتعليم والمعرفة، علاوة على الانتماء الوطني عند الأجيال الجديدة، فنحن الآن في حاجة شديدة إلى جرعات مكثفة وقوية ومخلصة وصادقة من الدراما الوطنية لتكون بمثابة حلقات تثقيف وتوعية للصغار بالمخاطر التي تواجهها البلاد، كما أنها تعد بمثابة صالون ثقافي لنشر قيم الفن والانتماء والجمال والثقافة بين الشباب حيث عملت تلك الأعمال الوطنية على جذب الكبار والشباب والأطفال.
كما تسهم الدراما الوطنية، في تشكيل وعي تاريخي ومعلوماتي لدى الأجيال القادمة بحقيقة ما بذله أبطال مصر المخلصين من جهود، وتساعد في رفع وعي الشباب بواقعهم والعالم المحيط بهم، من خلال فتح آفاق فكرية يستطيعون من خلالها أن يستوعبوا ما يدور حولهم من تغيرات. وقد نجحت الدراما الوطنية في كشف خطاب جماعة الشر وأساليبهم، وكرههم للدولة المصرية وللشعب المصري، ما جعل الجميع من صغار وشباب، على وعي بخطورة الوضع. كما نجحت الدراما الوطنية في المزج بين العمل الوثائقي والعمل الدرامي، والذي اعطي طابعاً حيوياً للمشهد، فالدراما الوطنية كانت ومازالت تعرض أحداث واقعية عاشها الكثير وعاني منها الكثير.
فعندما تجد الصغير قبل الكبير يتغنى بكلماتها، وعندما تجدها تجمع العائلة من حولها، وعندما تجدها تؤثر في الحالة الإيجابية للمجتمع، وعندما تجدها تتصدر المشهد المصري، وعندما تجد المتلقي يرصد أحداثا لم يعلمها من قبل، وعندما تجد المشاهد يتابعها وهو شاهد على تلك الأحداث، تشعر بأنها حالة تستحق الدراسة، فتلك الكلمات القليلة عبرت بشكل مختصر عن واقع الدراما الوطنية وللحديث بقية.
عضو هيئة تدريس بعلوم القاهرة
للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويترلمتابعة أهم الأخبار المحلية