لايزال المصريون قادرون على كل شيء. المصريون ليسوا كلهم الذين نرى عينات معينة منهم في الشوارع «عيونهم تطق شرار».. ممن يحزون بسيفهم رأس مواطن ويدورون متباهين به في الشارع.. وليسوا هم الذين يهاجمون شخصا احتمى بصيدلية فيكسروا زجاجها ليمسكوا به ويفرغون رصاص «المقروطة» (سلاح ناري يدوي الصنع) في جسده، ويتباهون بفعلتهم أيضًا. ليسوا هم الذين يذهبون للساحل الشمالي فينفقون بسفاهة على اللهو والمجون الملايين.
المصريون ليسوا كلهم صناع السلع المغشوشة والكفتة المضروبة (حسب اعترافات كبابي سابق لا تأكلوا الكفتة خارج بيوتكم.. فالكفتة التي تباع بسعر ٣٥ج هي نفسها التي تباع بـ ٤٠٠ ج لأن المصدر واحد والفرق في «حتة دهن» تكسبها مذاقًا مختلفا).
ليسوا كلهم الذين يلقون بالقمامة في الشارع، سواء من البيوت أو نوافذ سياراتهم ذات الدفع الرباعي. وليسوا الذين يغنون ويرقصون على إيقاعات غثاء الغناء. وليسوا الذين يضايقون ويزعجون ويقرفون السياح في كل مكان.. ولا المتسولين الذين يملؤون الشوارع، ويزورون في حالتهم الصحية (مؤخرًا أفزعني أحدهم عند الثانية صباحا.. كان قعيدًا يتوسط قلب الملف الأخير من شارع مراد بالجيزة.. الملف ضيق إلى حد أن حدثا مفاجئا كهذا يرعبك.. المصيبة انه لم يكن وحده.. بل ضاق الملف أكثر بوجود رفيقه عامل نظافة الآخر! بدا لي أمرهما تهديدا مخيفًا.. كأنهما يقولان لنا: قفوا.. اعطونا حسنة أو اقتلونا.. ادهسونا!).
لا ليسوا هؤلاء هم المصريين الذين أثق أنه على مدار تاريخهم -وحتى في مرورهم بما يسميه المؤرخون عصور الانحطاط ..كالعصر المملوكي مثلا ، أو نهايات عصور الرجل المريض «الدولة العثمانية» – صنعوا أهم حضارة في العالم، وهى الحضارة المصرية القديمة ،بما فيها من عصور انحطاط صادفتها الاسرات المتعاقبة أيضا.
ليس هؤلاء هم جموع شعبنا، حتى في أشد لحظات تغيرهم الحالية، وقد رصد د. جلال أمين جانبًا منها في كتابه «ماذا حدث للمصريين». حتى في أشد لحظات الدنيا حلكة وظلاما وجهلا.. وبذاءة.. وغشا في الموازيين والمكاييل والخامات.. وفسادا في التصميم والتنفيذ -مثل ترقيع الأسفلت في الشوارع المرصوفة بكل قبح وهم آمنون من العقوبة – وتعطيل المصالح وتلقى الرشاوي.. ليسوا هم الذين يأمنون العقوبة فيرتشون.. ويشهدون الزور.. ويخادعون الله والناس لا ليسوا هؤلاء..
وانما المصريون على مر العصور هم العباقرة والمبدعون والمخترعون.. هم الذين عرفوا الطب والفلك والهندسة وشادوا الأهرامات قديما.. وهم الذين تناقلت الدنيا قبل ايام بعض من اختراعات شبابها وأبنائها.. فهذا د. محمود الصبحي يخترع «الانسولين الفموي» (قرص آمن لضبط السكر على مدار أكثر من يوم). وهشام التونسي يبتكر فرن ضغط طبخ صحي وآمن مدمج، يتلقى من مستخدمه التفاصيل «صورة الدم» يعرف منها طبيعة الجسم، ويحدد نوعية الأكل المناسبة لمنع اصابته بالأمراض.
ويبتكر محمود الكومي روبوتًا للتشخيص المرضي المبكر، والدكتورة فاطمة سمير تتوصل إلى تركيبة يتم حقنها في العظام خارجيا لتلتئم دون جراحة، لمساعدة كبار السن ومرضي الهشاشة، والدكتور عمرو هلال يتوصل لمزيج من الزيوت العطرية للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا. أما الدكتورة علا هيكل فيمكن أن تنقذ الملايين بابتكارها علاجا مستخلصًا من نخالة الأرز لعلاج مرض الزهايمر. ما هذا الجمال يا مصريين ؟دمتم نورًا للعالمين.