في مشهد غير مسبوق، تواجه الولايات المتحدة واحدة من أسوأ كوارثها الطبيعية في السنوات الأخيرة، حيث أجبرت الحرائق الهائلة أكثر من 200 ألف شخص على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان.
مشاهد الدمار والذعر التي تسود ولايات مثل كاليفورنيا وهاواي تعيد إلى الأذهان صورًا مأساوية لنزوح شعوب الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة، المشهد على الأرض الأمريكية.
تشير التقارير إلى أن الحرائق اشتعلت بفعل عوامل متداخلة، من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى الرياح العاتية.
مشاهد السماء الحمراء والدخان الكثيف الذي غطى المدن الكبرى تحاكي إلى حد كبير مشاهد الحروب والنزاعات التي طالما عانى منها العالم العربي، ولكن هذه المرة، ليست يد الإنسان هي التي أشعلت النار.
أمريكا التي اعتادت أن تشهد نزوحًا بشريًا من مناطق الحروب إلى أراضيها، باتت اليوم تواجه نزوحًا داخليًا غير مسبوق. العائلات تهرب تاركة خلفها كل ما تملكه، وهو مشهد يجسد مأساة جديدة قد تجعلها تتذوق ما عاشه ملايين اللاجئين من فلسطين إلى سوريا و العراق واليمن.
النار التي تلتهم الأرض الأمريكية الآن تبدو وكأنها رسالة إلهية؛ أن قسوة الطبيعة قد تفوق أحيانًا قسوة الإنسان.
فما شهدته شعوب الشرق الأوسط من مجازر وحرائق بفعل الحروب، يأتي اليوم بوجه مختلف في الولايات المتحدة، وكأنها تذكير بأن المعاناة لا تعرف حدودًا جغرافية.
هذا النزوح الكبير يعيد طرح أسئلة حول قدرة الدول الكبرى على مواجهة كوارث الطبيعة.
بينما يلوذ الشرق الأوسط من حرائق الحروب والسياسات، تقف أمريكا اليوم عاجزة أمام حرائق الغابات.
الكارثة تكشف هشاشة القوة أمام إرادة الطبيعة، وتؤكد أن المعاناة الإنسانية تتساوى تحت أي سماء.
«قرن الجحيم: 6 درجات على نهاية العالم»
كتاب «قرن الجحيم: 6 درجات على نهاية العالم» للكاتبة الصحفية حنان أبو الضياء يتناول قضية تغير المناخ وتأثيراته الكارثية على كوكب الأرض.
الكاتبة تستعرض سيناريوهات مرعبة توضح كيف يمكن لارتفاع درجات الحرارة بمقدار 6 درجات مئوية أن يؤدي إلى كوارث بيئية واجتماعية هائلة، بما في ذلك الحرائق، الفيضانات، وانقراض أنواع كثيرة من الكائنات الحية.
الحرائق التي تشهدها أمريكا حالياً قد تكون أحد الأمثلة الواقعية لتلك التحذيرات، حيث أن تغير المناخ يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، زيادة الجفاف، وخلق ظروف مواتية لاشتعال الحرائق وانتشارها بشكل غير مسبوق.
الكاتبة تربط بين هذه الكوارث والتدخل البشري في الطبيعة، مثل انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن الصناعة والنقل والزراعة.
ما يميز الكتاب أنه يعرض المشكلة بطريقة علمية، معتمداً على دراسات وإحصائيات دقيقة، لكنه أيضاً يحمل بُعداً إنسانياً يحث على التحرك العاجل لمواجهة هذه التحديات.
ربما ترى الكاتبة أن الكوارث الحالية ليست إلا بداية لما قد يكون «قرناً من الجحيم» إذا استمر البشر في تجاهل مخاطر تغير المناخ.
تناولت الكاتبة حنان أبو الضياء، الاحتباس الحراري كقضية محورية، موضحة كيف أن تراكم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي نتيجة النشاط البشري يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وهو ما يعجل بالكوارث المناخية.
أشارت الكاتبة، إلى أن الدمار الذي قد يلحق بالبشرية لا يقتصر على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل يمتد ليشمل سلسلة مترابطة من الكوارث مثل:
* ذوبان الجليد القطبي الذي يؤدي إلى ارتفاع مستويات البحار وغرق المدن الساحلية.
* الجفاف الشديد الذي يدمر المحاصيل الزراعية ويؤدي إلى نقص الغذاء.
* العواصف والأعاصير العنيفة التي تزداد قوة وتدميراً.
* الحرائق الضخمة التي تلتهم الغابات، كما نرى في أمريكا وأستراليا.
* اختفاء التنوع البيولوجي، مما يؤثر على التوازن البيئي.
الكاتبة تسلط الضوء أيضاً على الجانب الإنساني من الكارثة، حيث تشير إلى أن الاحتباس الحراري سيتسبب في تشريد ملايين البشر بسبب غرق أراضيهم أو تحولها إلى مناطق غير صالحة للحياة، مما يؤدي إلى موجات هجرة ونزاعات عالمية على الموارد.
المبدعة حنان أبو الضياء أشارت خلال كتابها الهام إلى أن هذه الحرائق ليست مجرد كوارث طبيعية عادية، بل تتفاقم بسبب النشاط البشري الذي يسرع من وتيرة الاحتباس الحراري، مثل انبعاثات الكربون وإزالة الغابات. كما تعكس هذه الحرائق الوجه القاسي لتغير المناخ، الذي يهدد حياة الإنسان والطبيعة بشكل متزايد.
الرسالة التي يحملها الكتاب الهام، في مجملها تحذر من أن البشرية تواجه لحظة حاسمة: إما أن نتخذ خطوات جادة لتقليل تأثيرات تغير المناخ، أو نواجه مستقبلاً مظلماً من الكوارث والدمار.
وأن هذه الحرائق هي دعوة للتفكير الجدي في مواجهة تغير المناخ، قبل أن تصبح هذه الكوارث جزءاً دائماً من حياتنا اليومية.
باختصار.. يبقى السؤال الأهم حرائق أمريكا نهاية المشهد أم بدايته؟ قد تكون هذه الكارثة فرصة لتغيير النظرة الأمريكية تجاه المعاناة الإنسانية عالميًا.
ربما تُعيد هذه التجربة المأساوية التفكير في سياسات الولايات المتحدة الخارجية، خصوصًا في الشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هي نفسها ضحية النزوح والخوف من النار.