في لحظة نادرة، لكنها شديدة الدلالة، ظهر الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الهواء، فاقداً أعصابه، ليوجه سُباباً مباشراً إلى فصائل المقاومة في غزة: «يا أولاد الكلب».
مشهد لم يكن مجرد انفعال عابر، بل لحظة سقوط سياسي وأخلاقي لرجل يفترض أنه رأس الشرعية الفلسطينية، ورمز الدولة المنشودة.
لم يكن الموقف انفعالاً عابراً، بل انكشافاً مؤلماً لمعادلة مشوّهة يعيشها الواقع السياسي الفلسطيني منذ سنوات: قيادة فقدت توازنها، وانفصلت عن نبض شعبها.
عباس، الذي لم نسمع منه كلمة نابية واحدة بحق الاحتلال الذي قتل واعتقل وهجّر شعبه، أطلق العنان لغضبه ضد أولئك الذين يحملون السلاح دفاعاً عن فلسطين، فقط لأنهم – في لحظة فارقة – اختطفوا جنوداً إسرائيليين، بينما آلاف الفلسطينيين يقبعون في سجون الاحتلال دون محاكمات، وبعضهم منذ عقود.
تاريخ السياسة الدولية مليء بلحظات فقدان الزعماء لأعصابهم. خروتشوف، زعيم الاتحاد السوفييتي، خبط بحذائه على منبر الأمم المتحدة في مشهد شهير عام 1960، ليعبّر عن غضبه من الغرب.
دونالد ترامب، أهان الصحفيين على الهواء، وخرج عن أعراف الدبلوماسية مراراً. لكن هؤلاء، على الأقل، انفجروا غضباً في وجه خصومهم، لا ضد شعوبهم.
أما عباس، فقد وجّه أقسى كلماته لا نحو الاحتلال، بل نحو جزء من شعبه، نحو حماس التي تنوب عن الكل الفلسطيني في المواجهة. هنا يختلف المشهد، ويتحول من زلة لسان إلى فضيحة سياسية.
كيف يمكن أن نطلب من قيادة فقدت بوصلتها أن تمثل شعباً يُذبح يومياً؟ كيف يمكن لرئيس يعتبر التنسيق الأمني «مقدساً» أن يكون في صف من يقاوم؟ بل كيف يمكن لمن فقد شرعيته انتخابياً منذ سنوات أن يحتفظ بشرعية رمزية وسط هذا السقوط العلني؟
حماس هي من أعادت القضية إلى الواجهة، بعد أن كادت تُطوى في أدراج الدبلوماسية. هي التي أعادت تعريف الكرامة في زمن الخضوع. هي من أثبتت أن العدو لا يُرَدّ بالتصريحات، بل بالفعل. ومع ذلك، تُشتم وتُحارَب من القيادة التي يُفترض أنها تمثلها.
عباس لم يكن زعيماً منتخَباً حين أُسندت إليه رئاسة السلطة. جاء بتوافق إقليمي ودولي، ثم استمر بلا انتخابات. والآن، يُكمل عقده الثاني رئيساً، بينما الفلسطينيون في الشتات والسجون والمخيمات يدفعون ثمن بقائه، لا ثمن حريتهم.
باختصار.. ما قاله عباس ليس مجرد سُباب، بل إدانة صريحة لنفسه، واعتراف ضمني بانفصاله الكامل عن نبض الشارع الفلسطيني. ومن هذه اللحظة فصاعداً، سيتذكر الناس أن الرجل الذي لم يسبّ الاحتلال يوماً، قد سبّ المقاومة علناً… باسم الرهائن الإسرائيليين.. وهذا وحده كافٍ لكتابة السطر الأخير في سيرة رجل السياسة.
ومع هذا المشهد، لا بد من طرح السؤال الأهم: إذا كان هذا هو الخطاب من «رأس الشرعية»، فكيف يبدو المستقبل تحت ظل هذا الرأس؟