بقلم – محمد عبداللطيف:
لو أن الكاتب الصحفى أحمد الخطيب مضى أكثر عمقًا فى حملته الصحفية، وانتفل من زاوية إلقاء الضوء على الأخطاء إلى براح الخطايا، وما أكثرها، لكفى نفسه الجرجرة إلى النيابات والمحاكم، ولو أنه خرج عن دائرة التحذير من توغل الإخوان فى أحشاء مؤسسة الأزهر، وحلّق بالاتهامات فى فضاء التحريض ضد الدين والمشيخة، لخرجت البيانات المنددة بإحالته لمحكمة الجنايات ودبجت المقالات فى الصحف، وصار حديث الفضائيات، ولأنه لم يفعل، أصبح رجمه مشفوعًا بالفتاوى، مرة لأنه كشف الغطاء عن الوجه القبيح للجماعة الفاشية، ومرات لأنه نزع بما امتلكه من وثائق، وأوراق التوت التى كانت تستر عوراتها.. ألم يكن هذا كافيًا لرجمه؟
أحمد الخطيب أحيل قبل أيام قليلة إلى محكمة الجنايات باتهامات متعددة، جراء بلاغات تقدمت بها شخصيات بارزة فى مشيخة الأزهر إلى النيابة العامة، على خلفية نشره فى جريدة «الوطن» سلسلة من المقالات، ألقى خلالها الضوء على بعض الأمور التى ظلت بعيدة عن التناول، والتى رأى خلالها أنها تمثل نوعًا من التجاوزات تستوجب التحقيق، ولديه الأدلة على صدق ما أورده، فضلا عن أن مضمون المقالات يهدف لتطهير الأزهر من توغل عناصر قيادية تنتمى للإخوان، فى المقابل شكك مقدمو البلاغ ورأوا أنها ادعاءات تسيد لمكانة الأزهر.
بعيدا عن الغوص فى دائرة المعركة القانونية، هناك حقيقة ليست خافية على المهمومين بالشأن العام، وهى أن زميلنا أحمد الخطيب ليس مجرد صحفى يكتب ما لديه، ثم ينصرف إلى حال سبيله، لكنه صوفى حالم، ينشد خلاص البلاد والعباد من وباء الإرهاب، وواحد من قلائل فى هذا الزمن المعيوب، يخوض معاركه شرسة، ويرفض الوقوف فى المنطقة الرمادية، منطقة «البين بين»، فالأبيض أبيض، والأسود أسود، فضح تنظيم الإخوان وقت جبروتهم ولم يبال بالنتائج، أو يتخوف من المصير الذى أرادوه له، ودبروا له، كما يرى أن بعض الشيوخ النافذين فى الأزهر لم يتخذوا أى خطوات لمواجهة الأفكار الضالة المضللة، التى تجذب الشباب صوب قبلة الإرهاب، كما أنهم يقفون عائقا أمام إدانة داعش والتنظيمات الإرهابية بصورة واضحة وجلية، وهذه الأسباب وحدها كافية بأن تحرضه، وكثيرين غيره على توجيه الانتقادات لشيوخ الأزهر، وتفتح باب التكهنات بالانصياع لرؤى المنتمين لجماعة الإخوان، ليس باعتبارهم رموزا للمؤسسة الأهم فى العالمين الإسلامى والعربى، إنما لكونهم القوى المؤثرة فى توجهاته.
فى السياق ذاته، لا يستطيع أحد مهما بلغت درجة مجافاته للحقيقة، أنكار أن الأمر من بدايته فتح الباب على مصراعيه أمام المتربصين والمغالين فى التطرف ومحترفى البحث لاصطياد الأخطاء الصغيرة، إن وجدت، لاستغلالها فى صناعة الأزمات الكبيرة، وفتح المزاد بلا سقف لمعارك مصطنعة، إلى جانب أمور تشى بوجود أبعاد انتقامية، من عناصر إخوانية نافذة فى أحشاء المشيخة، حرضت على تقديم بلاغات للنائب العام ضد الخطيب، دون حساب للعواقب، أو الأخذ فى الاعتبار أن دخول الأزهر بمكانته الرفيعة طرفا فى خصومة مع أصحاب الرأى ممن يدافعون عن هيبة الأزهر، لن يصب فى صالح المؤسسة التى تتمتع بسلطة معنوية ومكانة روحية لدى المصريين.
الأزهر أيضا أصبح فى مرمى سهام الانتقادات التى بلغت فى بعض الأحيان حد الاتهامات القاسية، ليس فقط لاستيقاظ بعض الشيوخ لإثارة أزمة «الأزهر ـ الخطيب»، إنما لأنه تباطأ بصورة تحفز على طرح العديد من علامات الاستفهام، فى اتخاذ خطوات من شأنها كشف أسباب الإبقاء على عناصر إخوانية داخل المشيخة، وهو أمر لم يعد من الأسرار العليا، بل معلوم للكافة، وأن تلك العناصر كشفت عن وجهها القبيح وقت تنامى نفوز الجماعة، وتبلور ذلك فى الإساءة العلنية للإمام الأكبر والسعى لعزله.
هاجم الخطيب أمورا، رأى فيها تعويقا لمسيرة الأزهر، خاصة إذا علمنا درايته الموثقة بقدرة الجماعة على ترويج المغالطات والمفاهيم الظلامية، التى أصبحت المرجعية التى تنطلق منها دعوات التطرف والتكفير وشرعنة الإرهاب، مما ساهم فى استدعاء التكهنات حول قضيته، باعتبار أن هذا النوع من القضايا لا ينفجر مصادفة بل تقف خلف العزف على أوتاره عقليات عقيمة الفهم وفظة السلوك، فالكاتب الذى وضعه بعض رجال الأزهر فى ساحة الاتهام، هو نفسه الذى خاض معارك ضد الإرهابيين علي مدار أكثر من ١٠ سنوات، كشف فيها بالأدلة والوثائق والبراهين المخاطر الناجمة عن توغل الإخوان فى دوائر التأثير بالمشيخة والجامعة ومساجد الأوقاف، كما أزاح الستار عن التنظيمات الإرهابية التى خرجت من رحم الجماعة، وكان هناك رضا تام من أطراف فاعلة داخل مشيخة الأزهر لما يتناوله الخطيب من معلومات موثقة، وذلك فى وقت كان يتعرض فيه الأزهر وشيخه وقياداته لأبشع الحملات التحريضية منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى تطهير البلاد من حكم الجماعة الموبوءة، باعتباره واحدًا ممن يقودون معركة ضارية فى مواجهة التكفير والظلام، لدحر دعاة العودة إلى العصور البالية.
كل ذلك كاف أن يجعل التساؤلات تطل برأسها على سطح الأزمة المفتعلة التى فجرها بعض رجال الأزهر أو بمعنى أكثر دقة القوى الغامضة المؤثرة فى صناعة القرار داخل المشيخة، هؤلاء وجدوا فرصتهم فى الثأر منه عقب هدوء العاصفة ضدهم.