أبدًا لن تكون هذه الزاوية مكانًا للدعاية الانتخابية لبرنامج كاتبها، كونه مرشحاً فى انتخابات مجلس نقابة الصحفيين، فهى حق مطلق وأصيل للقارئ، لا يمكن تجاوزه.
ومع ذلك ثمة ما ينبغى الإشارة إليه أو التحذير منه فى مجمل العملية الانتخابية.
انتخابات الجماعة الصحفية يجب أن تقدّم نموذجًا ديمقراطيًا وحضاريًا للمجتمع المصرى، وأول عناصر هذا النموذج أن يقبل الصحفيون على صناديق الاقتراع بكثافة تؤكد وعيهم بأهمية التغيير الديمقراطى عبر الصندوق، باختيار مجلس جديد، أو حتى تأكيد خيارهم السابق بتجديد الثقة فى أعضاء المجلس الحالى برئاسة الكاتب الكبير يحيى قلاش.
فليس من المقبول أن نمارس دور مدرس الفصل على المصريين خلال الاستحقاقات السياسية المختلفة، وندعوهم للمشاركة والاصطفاف فى طوابير الناخبين، بينما نحن نتقاعس عن أداء هذا الواجب المهنى والنقابى، بحجة أن الجمعة يوم عطلة رسمية، وكثيرًا ما اتهم الصحفيون المجتمع المصرى بالسلبية والتخاذل حتى وصموه بـ«حزب الكنبة».
رغم أن أعضاء هذا الحزب أثبتوا، فى مناسبات مختلفة، قدرتهم على الأخذ بزمام المبادرة، بل وتحديد وقت المشاركة طبقًا لأجندتهم، لا أجندة النخبة.
للأسف نحن الصحفيين لا تزال غالبيتنا تفضل البقاء على «الكنبة»، وبعد كل انتخابات نقابية تعود للعض على أناملها، لأن التغيير الذى تريده لم يحدث.
العنصر الثانى للنموذج الحضارى والديمقراطى لانتخابات الصحفيين يطل من المشهد الأخير للمنافسة الشرسة بين الكاتب الكبير ضياء رشوان، وشيخ النقباء مكرم محمد أحمد، التى جرت على مقعد النقيب فى ديسمبر ٢٠٠٩، حينها رفع «رشوان» صورة لـ«مكرم» هاتفًا «عاشت وحدة الصحفيين»، فور إعلان النتيجة بفوز الأستاذ مكرم محمد أحمد.
صحيح أن تلك الانتخابات شهدت قدرًا من الاستقطاب السياسي، لكن تصرف الأستاذ ضياء رشوان أزال حالة الاحتقان، وهذا ما ينبغى أن تعمل الجماعة الصحفية على تكريسه.
لا ننكر أن الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية وتداعياتها تلقى بظلالها على العملية الانتخابية برمتها، وأخطر ما فى الأمر أن بعض أنصار المرشحين الأبرز على مقعد النقيب، يحيى قلاش وعبدالمحسن سلامة، يحاولون تقديم الرجلين من منظور سياسي، وظنى أنهم بذلك يصدرون حكمًا بالإعدام، ليس على فقط مستقبليهما النقابي، بل وعلى مستقبل بيت الصحفيين.
أسوأ ما واجهته كان سؤال أحد الزملاء عن تقييمى للعملية الانتخابية فى ظل مرشحين، قال إن أحدهما معارض للدولة، والآخر مؤيد لها، على حد وصفه.
الأكثر سوءًا أن يصل النزق بالبعض إلى حد اعتبار التصويت ضد مرشح بعينه خيانة للوطن، هذا الوضع إنما يعكس تدنيًا غير مسبوق فى الوعى النقابى والمهني، ومحاولة رخيصة للتلاعب بالمفاهيم والقيم الصحفية المستقرة منذ نشأة الصحافة فى مصر قبل نحو قرنين من الزمان بصدور صحيفة الوقائع المصرية.
هناك من يريد عامدًا أن يخلط بين كون نقابتنا نقابة رأى، وطبيعة عملنا الذى يستوعب اختلافات سياسية واسعة فى تقييم أداء الأجهزة التنفيذية والحكومية، ليمرر استخدام الأدوات والآليات السياسية سواء فى العمل النقابى أو أثناء العملية الانتخابية.
وهم بذلك يشوّهون تقاليد مهنية راسخة، ويلوثون خصوصية العمل فى بلاط صاحبة الجلالة، فرغم التباينات الكبيرة بين أعضاء الجماعة الصحفية، فإن ذلك الاختلاف لم يمنع نشوء صداقات مخلصة، بل وعلاقات عمل منضبطة بين أعضائها، ذلك أن مفهوم نقابة الرأى واضح وصريح لدى الجميع، وهو أن نقابتنا معنية بالدفاع عن حق جميع المصريين فى التعبير عن آرائهم، مهما ذهبت يمينًا أو يسارًا بشرط ألا تكون من بينها تلك الآراء التى تحرّض على العنف والكراهية، أو تشيع التخلف والأفكار الظلامية، وهذا لا يعنى بالطبع لدى المهنيين الحقيقيين أنها مؤسسة سياسية أو حزبية.
أظن أن غالبية الجماعة الصحفية لا تزال متمسكة بهذه التقاليد والمفاهيم، لذلك عليها أن تقبل على حسم المعركة الانتخابية، بما تتمتع به من وعى نقابى ومهنى، ليكون التصويت على أساس البرامج والرؤى لمنهج العمل النقابي، والخبرات المهنية والنقابية لكل المرشحين، فلا سبيل لوأد الفتنة التى يحدثها التصويت السياسى إلا بمشاركة الكتلة الأساسية للجماعة الصحفية.