المجالس – وكالات:
قد يظن القارئ الكريم أن ثمة خطأ فى عنوان هذا المقال «تربية الآباء..!»، لأن التربية اقترنت فى أذهاننا بـ«تربية الأبناء».. أما أن يأتى مقال ويتحدث عن تربية الآباء، فهذا أمر غير مألوف!.. وحقيقة الأمر أننى أنوى الحديث عن ضرورة تربية الآباء حتى ينصلح حال الأبناء.
«فلنربِّ أنفسنا أولاً إذا أردنا أن نربى أبناءنا تربية جيدة».
هذه العبارة الشرطية قد تثير فى ذهن القارئ خليطًا من علامات الاستفهام والتعجب، نظرًا لما يكتنفها من غموض، لذا سوف أسعى إلى توضيح ما أعنيه بها.
قليلون يمكنهم الاعتراف علانية -أو حتى بينهم وبين أنفسهم- بفشلهم فى تربية أبنائهم، وأن مسئولية هذا الفشل والإخفاق إنما تقع على كاهلهم هم -كأمهات وآباء- دون سواهم!.. هم فى أغلب الأحيان، لا يعترفون بذلك، بل يرجعون أسباب الفشل إلى عقوق الأبناء أو سوء طبعهم، أو يرجعونه إلى أن هذا الجيل من الأبناء مختلف ومتمرد بقدر بالغ السوء، وعلى نحو لم تعهده الأجيال السابقة، أو حتى يرجعونه إلى ظروف خارجة عن إرادتهم وإرادة أبنائهم.
وهناك من يرجع سبب فساد الأبناء إلى تدليل الأم لهم، أما الأم فقد ترى أن غياب الأب بسبب انشغاله بماله وأعماله، هو الذى أدى إلى انحراف الأبناء، وهناك أسباب كثيرة لهذه الظاهرة تخرج عن دائرة الحصر، ولكننا لن نجد أحدًا يعترف صراحة بأن السبب الرئيسى لفشله فى تربية أبنائه؛ أنه هو نفسه لم يتلق تربية جيدة.
كيف ننتظر تربية جيدة من إنسان هو نفسه لم يجد من يربيه التربية السليمة؟! كيف ننتظر شيئًا من إنسان فاقد لهذا الشىء؟! إن فاقد الشىء لا يعطيه.. إن «عديم التربية» ليس فى وسعه أن يربى أحدًا.
عبارة «عديم التربية» هذه تطلق على الشخص «الذى لم يجد من يوجهه توجيهًا تربويًا سليمًا»، وهى فى أحيان كثيرة تستخدم كنوع من التوبيخ أو السب أو الشتم، وهى تعادل عبارة «قليل الأدب»، غير أننى لن استخدمها هنا بهذا المعنى، وإنما سوف استخدمها بمعنى خاص جدًا، إننى سوف أشير بعبارة «عديم التربية» إلى افتقار المرء إلى «التربية العلمية السليمة»، فالتربية السليمة لا بد أن تستند إلى أسس علمية، وأن تهتدى بالمبادئ والأفكار التى وضعها المفكرون والعلماء من أجل رعاية صحة الأبناء النفسية والبدنية وتنشئتهم تنشئة تحقق طموحاتهم التى تتناسب مع إمكاناتهم الذهنية والعضلية، وتتوافق مع مجتمعاتهم وتخدمها وتنهض بها، وهذا يعنى أننى لا أقصد السب أو الشتم بهذه العبارة.
لقد تلقى بعضنا تربية عشوائية ربما بسبب أمية آبائنا، أو ربما محدودية ثقافتهم، وهناك أعذار أخرى كثيرة يمكننا أن نلتمسها لهم، ولكن الأمر الذى لا يمكن قبوله أو تبريره هو موقفنا نحن الآن من أبنائنا، إذ كان ينبغى علينا أن نفكر فى نمط التربية الذى سوف نتبعه مع أبنائنا قبل إنجاب هؤلاء الأبناء، فالمرء (شاباً أو فتاة) حين ينوى الزواج يفكر فى أشياء كثيرة، ويقوم بإعداد أشياء كثيرة (السكن، الأثاث، المكان الذى سيقضى فيه العروسان شهر العسل… إلخ)، لكن لا يوجد من بين هذه الاستعدادات للزواج التفكير فى الطريقة الصحيحة التى سوف تتم تربية الأبناء وفقًا لها!
هل حاولتِ إقناع خطيبك.. بالتقدم للحصول على دورة تدريبية (كورس) للتدرب على كيفية تربية الأطفال تربية تستند إلى أسس علمية سليمة؟! أعتقد أنك لو حاولتِ عرض هذه الفكرة على خطيبك.. فالنتيجة الحتمية التى سوف تحدث هى أن «الجوازة» نفسها لن تتم!.. لأن خطيبك سوف يظن أنك مهبولة أو مجنونة!.. وسيحاول «الهروب بجلده من هذه الجوازة»! فى حين لو طلبت منه أن يشترك معك فى اختيار نوع «السيراميك».. أو لون غرفة النوم، فسوف تجدين منه إقبالاً وحماسًا شديدين!.. أما الاستعداد النفسى والعقلى لتربية الأطفال على أسس علمية سليمة، فهى مسألة لا تخطر على بال أى خطيبين أو عروسين فى بداية عهدهما بالزواج، ولم ينجبا بعد.