ربما ما يتبادر إلى ذهن البعض عندما يحل علينا كالعادة عيد العمال فى اليوم الأول من مايو من كل عام، تلك الكلمات الشهيرة التى يطلقها عمال مصر لرئيس الجمهورية أثناء الاحتفال السنوى وهى «المنحة يا ريس»، وهى العبارة التى تلازمت معنا فى عهد مبارك طوال ثلاثين عامًا كانت تقال فى جو من البهجة والسرور وكان تتم الاستجابة لهم، بالرغم من كم المشكلات التى كانت تنوء بها الجماعة العمالية فى كل مواقع الإنتاج آنذاك، ولكن ما تشهده البلاد من إغلاق العديد من المصانع فى الفترة التى أعقبت ثورة ٢٥ يناير حتى الآن يدعو الجميع إلى التساؤل عن كيفية الاحتفال بعيد العمال هذا العام والاقتصاد المصرى ما زال ينزف خسارة وكسادًا بسبب توقف عملية الإنتاج من بعد عام ٢٠١٠ حيث بلغ عدد المصانع التى أغلقت تمامًا حتى وقتنا هذا نحو ٤٦٠٣ مصانع تقريبًا مع تشريد أكثر من ٤٠٠ ألف عامل وفقًا لبعض الإحصاءات الاقتصادية، وكان اتحاد نقابات عمال مصر قد أصدر تقريرا أشار فيه إلى أن عدد المصانع المتعثرة بلغ ٨٢٢٢ مصنعًا، فى حين أشارت دراسة أعدها اتحاد المستثمرين إلى وجود ١٥٠٠ مصنع متعثر حتى ٢٠١٣ قرابة ٤٠٪ منها فى قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة فقط، مما أدى لارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى حوالى ١٣.٦٪ مما كان له الأثر الأكبر فى استغلال البطالة المقنعة للشباب والفتيات والرجال والشيوخ وانضمام صبية الورش الصناعية الصغيرة، والتى أغلقتها الأحداث السياسية التى تلت الثورات، حيث استغلتهم بعض القوى فى نشر معدلات الجريمة والأحداث الإرهابية التى لم تنل من مصر، وهؤلاء وغيرهم انضموا جميعًا لطابور البطالة بعد أن أغلقت أماكن رزقهم، فى مناطق العاشر من رمضان، ٦ أكتوبر، السادات وبرج العرب وغيرها من المدن الصناعية التى أنشئت فى أواخر القرن الماضى، لتكون مدنًا صناعية، تحولت الآن إلى خرابات ينعق فيها البوم والغربان، وتكثر فيها الحشرات الزاحفة والكلاب الضالة، وأصبح مصير العمال هو الشارع والمقاهى يحاولون البحث عن دخل لهم بشكل مشروع وغير مشروع دون جدوى، وأثناء هذا تكتفى الحكومات المتعاقبة بالفرجة وعدم المقدرة على حل هذه الأزمة التى تعانى منها آلاف الأسر المصرية، وتتحدث الحكومة عن إعادة فتح هذه المصانع، وهو ما لم يحدث، ومن ثم زادت المشكلة أكثر ومع تراكم الديون على أصحابها أغلقت المزيد من المصانع أبوابها.. مما ساعد على تراكم أزمة البطالة وازديادها بشكل كبير، لأن البطالة تعد أرضًا خصبة للانضمام للجماعات الإرهابية المتطرفة التى تعيث فى الأرض فسادًا وتقتل النفس التى حرم الله قتلها دون حق.
وعلى الرغم من المناقشات واللجان والشكاوى اليومية فى مجلس النواب، إلا أن أحدًا لم يحرك ساكنًا، ولم يحدث أى شيء، وكأن النواب يناقش قضية فى وطن آخر، ورغم طلبات الإحاطة والأسئلة التى توجه بها نواب لجنة الصناعة للحكومة، إلا أن أحدًا لم يتحرك لحلها، خاصة أن الصناعة الوطنية هى الوسيلة الناجعة لمواجهة التحديات الاقتصادية، ومواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار وانخفاض العملة الوطنية، وتشغيل الشباب العاطل الذى يعد قنبلة موقوتة قابلة للانفجار فى أى وقت. ربما هو مخطط خارجى يريد النيل من مصر ومن اقتصادها وملح أرضها وهم العمال، الأمر الذى دعا حكومة الببلاوى إلى اعتماد ٢٢.٥ مليارجنيه لتشغيل المصانع المغلقة سواء بالقطاع الذى ينتمى للدولة أو التابع للقطاع الخاص، ولكننا نسمع ضجيجًا ولم نر طحينًا، وكانت تصريحات الحكومة أكثر من أفعالها على أرض الواقع.. ففى الوقت الذى تعلن فيه الحكومة عن تحفيز الاقتصاد والعمل من أجل زيادة الإنتاج للخروج من الأزمة الحالية، يتواصل إغلاق المصانع يومًا بعد يوم، ربما بسبب نقص إمدادات الغاز أو ارتفاع فاتورة الكهرباء وربما لأسباب مالية متعلقة بالتعثر، وعدم القدرة على سداد القروض، بالإضافة إلى عدم تقديم تيسيرات مصرفية وزاد الطين بلة النقص الحاد فى الدولار وارتفاع قيمته أمام الجنيه.. على أى حال فإن الإعلام يتحمل جزءًا من المسئولية عن أوضاع العمال السيئة ومصانعهم المغلقة. فقد شهدنا تغطية إعلامية عبثية فوضوية وغير مهنية لقضايا العمال واعتصاماتهم ومعاناتهم المستمرة واحتياجاتهم فى الصحف الحكومية التى تخصص لها مساحة محدودة وقليلة أسبوعيًا لا تكفى على الإطلاق، علاوة على وجود ضعيف لجريدة تصدر عن اتحاد العمال تحتاج إلى فعالية وتدعيم، مما جعل رجل الشارع فى حيرة من الأرقام المتضاربة عن مشكلات العمال الحقيقية وأعداد مصانعهم المغلقة التى تمثل عماد الاقتصاد الوطنى. ربما كان السكوت من قبل الحكومة الحالية على مشكلة المصانع المغلقة، ونحن فى عيد العمال سوف تكون نتائجه وخيمة وكارثية على كل حال، والسكوت على المصانع المغلقة لا يحتاج لمن يروج شائعات ومعلومات مغلوطة عن الاقتصاد، ليجعل المستثمرين الأجانب والمصريين يهربون من الدخول فيه، لأننا نفعل كالذى قام بهدم المعبد على نفسه، فمات بدون أن يهاجمه أحد ببعض التفكير الخاطئ، وهو يعتقد أنه بفعلته يحمى نفسه لكن النتيجة كانت كارثية.. فبأى وجه نلقاك يا عيد العمال؟