ساعات قليلة تلك التى تفصلنا عن ذكرى المولد النبوي ذكرى مولد سيد الخلق محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى حمل رسالة الإسلام إلى العالمين؛ وقد تضمنت هذه الرسالة الرحمة والأخلاق (حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”) والخير والسلام والتحضر للعرب وللمسلمين وللبشرية بأسرها.
وما أثار فى النفس القلق والألم هو ما تشهده بلادنا وما يشهده عالمنا العربى والإسلامى من صراعات وسفك للدماء وحالة من التنافس المدمر على إظهار العنف والتنكيل بالآمنين ناهيك عن تدمير المدن والدول وتفتيتها وتشريد الملايين من سكانها بشكل مروع.
وكان الأكثر إيلاما أن تشهد سيناء، التى باركها وأطل عليها الله عز وجل متحدثا إلى موسى عليه السلام، واقعة استشهاد المئات من المصلين العُزل غيلة وغدرا وهم بين يدى الله عز وجل فى صلاتهم التى كانت صلاة يوم الجمعة العيد الأسبوعي للمسلمين.
ومن المؤسف أن تزامنت المأساة مع خروج دعوات شيطانية لتحريم الاحتفاء بذكرى المولد النبوى!! فقد ظهر من تعاظم لديه الحقد والغل إلى درجة دفعته إلى محاولة منع الآخرين من التعبير عن الفرح والحب والتقدير والاحترام لذكرى مولد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك على الرغم من الحديث الشريف القائل : “حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن عليه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال عليع الصلاة والسلام : “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”(صحيح البخارى). أي أن هناك من يسعى لمنعنا من الإيمان ذاته!!
لقد كتب البيهقى (أحمد بن الحسين بن على بن موسى أبو بكر البيهقى) فى كتابه “سنن البيهقى الكبرى” : “أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأصبهانى ثنا الحسن بن الجهم ثنا الحسين بن الفرج ثنا محمد بن عمر حدثنى بن صفوان وعطاف بن خالد عن خالد بن زيد قال : خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال : “اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام (الروم) وستجدون فيهم رجالا فى الصوامع معتزلين من الناس فلا تعرضوا لهم … ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرا ضرعا ولا كبيرا فانيا ولا تقطعن شجرة ولا تعقرن نخلا ولا تهدموا بيتا”.
و”أخبرنا على بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا إسماعيل القاضى عن عكرمة عن بن عباس رضى الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا بعث جيشا، وفى رواية بن أبى أويس قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا بعث جيوشه، قال: أخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع.(البيهقى)
وكرر أبو بكر الصديق رضى الله عنه وصية رسول الله فى موقف آخر : ” أخبرنا أبو أحمد المهرجانى أنبأ أبو بكر بن جعفر المزكى ثنا محمد بن إبراهيم ثنا بن بكير ثنا مالك عن يحيى بن سعيد : إن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشى مع يزيد بن أبى سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع … قال إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له (…) وإنى موصيك بعشر لا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تخربن عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تحرقن نخلا ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن”.
وأخبرنا أبو سعيد بن أبى عمرو ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن على بن عفان ثنا يحيى بن آدم ثنا حماد بن زيد ووهيب بن خالد عن أيوب السختيانى عن رجل عن أبيه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قتل الوصفاء والعسفاء.
بل إن البيهقى أشار إلى عدم مطاردة المقاتل المسلم للتجار المشركين حيث قال : “وأخبرنا أبو سعيد ثنا أبو العباس ثنا الحسن ثنا يحيى ثنا عبد الرحيم الرازى عن أشعث عن أبى الزبير عن جابر قال : كانوا لا يقتلون تجار المشركين”.(البيهقى)
وفى كتاب الجهاد والسير بصحيح مسلم تمت الإشارة إلى الحديث النبوى الشريف القائل : “عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة فيقال ألا هذه غدرة فلان”.
لقد بعث الله برسالة الإسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمو بالبشر وينأى بها عن الكراهية والأحقاد الصغيرة والتنافس على المال والنفوذ والهيمنة وعلى كل نقائص النفس البشرية، وبكل تأكيد أيضا هى رسالة يفترض بها أن تنأى بالنفس البشرية عن الصراع والأطماع المتعلقة بآبار النفط والغاز فى البر والبحر وخطوط الأنابيب التى تقوم بنقلها.
إن القرآن الكريم كتاب الله عز وجل ورسالة الإسلام الحق التى حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العالمين فى كل مكان وزمان باقية بإذن الله إلى يوم الحساب.