أعجبنى فى كلمة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، اعتذاره الواضح إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، عن ما ترتكبه العناصر المجرمة الضالة باسم الإسلام وتحت راية القرآن، والإسلام والقرآن منهم بريئان براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
ففى الوقت الذى يجب أن نقف على الدروس المستفادة من سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، العطرة وفى مقدمتها درس الرحمة التى هى الغاية الأسمى من بعثته، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل بأسلوب القصر:”وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”(الأنبياء: 107) تدور تعاليم الرسالة كلها حول هذا المعنى الإنسانى الجامع، نجد أنفسنا مضطرين للوقوف موقف المدافع عن ما أصاب صورة الإسلام جراء أفعال هذه الجماعات العميلة الخائنة، التى لا علاقة لها بالإسلام، كما نجد أنفسنا مضطرين لأن نصرخ بصوت عال: نحن ضحايا ولسنا جلادين.
وتتسق البلاغة النبوية مع بلاغة القرآن الكريم فى تأصيل خلق الرحمة حيث يقول نبينا: “إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ “ باستخدام «إنما» كطريق من طرق القصر، تناغماً واتساقاً مع ما أصلته ورسخته الآية الكريمة من صفة الرحمة، وجعلها مدارًا رئيسيًا تدور حوله المقاصد العامة لشريعتنا الغراء.
فكل فعل يدور فى فلك هذا المعنى هو من صميم تعاليم الإسلام، وكل فعل يتنافى مع هذا المعنى لا علاقة له بالإسلام ولا علاقة للإسلام به. فبأى دين يُقتل الأبرياء، وبأى فهم للدين يُروع الآمنون، وبأى تفسير منحرف للنصوص تُستحل دماء الآمنين، وتُروع نساؤهم وأطفالهم، وبأى ذنب وفى أى ملة يُستهدف الركع السجود.
فلا شك أننا أمام استهداف لديننا ووطننا، استهداف لديننا لتشويه صورته النقية الصافية، والوجه الحضارى لشريعتنا السمحاء، تخوفاً من سرعة انتشاره، وعملاً على تحجيم وتقزيم الدول التى تدين به.
أما عن استهداف وطننا ومنطقتنا فندرك أنهما يتعرضان لمحاولات استنزاف مواردهما، من خلال استخدام عناصر عميلة خائنة من قوى شر عالمية تريد أن تفرض سطوتها وسيطرتها وهيمنتها على المنطقة كلها.
كما أحيى وأؤكد ما ذكره فضيلة الإمام الأكبر من أن ما حدث من استهداف المصلين بمسجد الروضة أثناء تأديتهم صلاة الجمعة إنما هو حرب على الله ورسوله، وتعدٍ على حرمات الله وانتهاك لقدسية بيوته، فما حدث إنما هو بكل المقاييس جريمة نكراء شنعاء هزت المشاعر الإنسانية لكل من كان لديه ضمير إنسانى حى ، آملين أن تستفيق الإنسانية جمعاء من غفوتها، وأن تنفض عن نفسها غبار وعتامة المصالح السياسية الضيقة التى يجب أن تتضاءل وتتوارى أمام حرمة الدماء والأعراض واحترام آدمية الإنسان الذى كرمه ربه عزَّ وجلَّ، فقال سبحانه: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ” (الإسراء : 70)، فكرم الحق سبحانه وتعالى الإنسان على إطلاق إنسانيته بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو عرقه، ولم يقل كرمنا المسلمين وحدهم، أو المؤمنين وحدهم، أو الموحدين وحدهم، أو المتدينين وحدهم.
إن ما ارتكبته هذه الجماعات الإرهابية المجرمة يُعد بحق جريمة من أبشع وأنكى الجرائم فى حق الإنسانية وفى تاريخها وفى سجل الإجرام الأسود، مما يتطلب هبَّة وطنية واحدة، كما يقتضى هبَّة أكبر وأوسع من أحرار العالم كله، للوقوف صفًا واحدًا فى وجه قوى الإرهاب والشر، حتى نقضى على هذا الإرهاب الغاشم ونقتلعه من جذوره بإذن الله تعالى.