إذا اتفقنا على أن الجريمة الإرهابية البشعة التى ارتكبت بحق المصلين بمسجد الروضة فى بئر العبد تُعد تطورا شديد الخطورة فى مسار تطور المخطط الإرهابي، كونها بقدر ما هى تجرؤ على الله سبحانه وتعالى فى بيت من بيوته فهى أيضا تحمل إنذارات بأن ما وراءها خطر جلل، فإن الأمر يستلزم مراجعة سياسة المواجهة ضد الإرهاب لوضع وصياغة إستراتيجية مواجهة جديدة قادرة على هزيمة هذا الإرهاب.
وإذا اتفقنا على أن الإرهابيين الذين ارتكبوا تلك الجريمة مجرد أدوات لمن يمولونهم ويسلحونهم ويدربونهم ويخططون لهم فإن الإستراتيجية يجب أن تبدأ بالإجابة على حزمة من الأسئلة المهمة أبرزها: من هم هؤلاء الداعمون والممولون والمخططون؟ ما هى مصالحهم وأهدافهم فى ترويع مصر وتهديدها وتخريبها وقتل أبنائها واستنزاف جيشها وقواتها الأمنية؟ وهل الإرهاب الذى تتعرض له مصر منفصل عن الإرهاب الذى تعرض له العراق وتعرضت له سوريا على مدى السنوات الماضية، والذى مازالت ليبيا تعانى منه، أم أنه مخطط إرهابى واحد، والمستفيد واحد والمشروع واحد؟.
إذا كانت الإجابة هى «نعم» ستبدو الصورة أكثر وضوحا. فالإرهاب الذى يقاتل فى العراق وسوريا وليبيا هو إرهاب تنظيم القاعدة وتفريعاته وارهاب تنظيم «داعش» وتفريعاته، ومن ثم لابد من أن تكون المعركة مع هؤلاء ومشروعهم فى مصر، وحتما لن يختلف كثيرا ما يريدونه بإرهابهم من مصر مع ما يريدونه فى تلك الدول. فماذا يريدون من مصر؟.
هم يريدون إسقاط هذه الدول تنفيذا لمخطط إعادة التقسيم الذى بدأ مع الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وحرصوا على تجديده على أنقاض موجة الانتفاضات والثورات العربية، فهل يريدون إسقاط الدولة فى مصر وتقسيمها، أم أنهم بتركيزهم على سيناء، وبالتحديد شمال سيناء يستهدفون مرحليا هذه المنطقة، وإرجاء هدف إسقاط وتقسيم مصر لمرحلة أخرى مواتية نظرا لفشل مخططهم فى العراق وسوريا وتعثره حتى الآن فى ليبيا.
يبدو أن سيناء هى المستهدفة مرحليا، وهناك مؤشرات كثيرة ترجح ذلك قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالجريمة الإرهابية الأخيرة التى حدثت فى بئر العبد، لكن هذه الجريمة ليست إلا حلقة ضمن مسلسل الجرائم التى حدثت فى سيناء والتى ربما تحدث فى الفترة المقبلة. فقد حفل الأسبوع الماضى بتطورات وتسريبات شديدة الخطورة لها علاقة بـ «سيناء» بدأت بالتصريح الذى جاء على لسان وزيرة المساواة الاجتماعية فى الحكومة الإسرائيلية «جيلا جامليئيل» وقالت فيه «إن أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء». خطورة هذا التصريح أنه يتزامن مع تطورات وتصريحات أخرى شديدة الارتباط بالموضوع نفسه الخاص بجعل سيناء وطناً بديلاً للفلسطينيين لتمكين إسرائيل من فرض سيطرتها الكاملة على أرض فلسطين التاريخية.
أول هذه التطورات التسريب الذى اعتقد أنه متعمد ويدخل ضمن مخطط «جس النبض» الذى كشفت عنه إذاعة الـ «بي.بي.سي» بالحديث عن وثائق تثبت أن الرئيس المصرى الاسبق حسنى مبارك «وافق على توطين الفلسطينيين فى سيناء». صحيح أن الرئيس الأسبق أصدر بيانا أكد فيه أنه «لم يوافق مطلقاً على طلب تقدم به الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، الذى التقاه فى زيارة رسمية فى فبراير 1983 بتوطين لاجئين فلسطينيين مقيمين بلبنان فى سيناء» وأكد أيضا أنه «رفض اقتراحاً مماثلا عرضه بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية عام 2010 يتم فى إطار خطة لتبادل الأراضي». لكن صحيح أيضا أن ما أكده مبارك فى بيانه هو فقط نفيه الموافقة على تلك المطالب والعروض، ولكنه أكد فى هذا النفى أيضا جدية وجود هذه المطالب منذ تلك السنوات.
ثانى هذه التسريبات تعمد الإسرائيليين الكشف عن الدراسة التى سبق أن أعدها الجنرال المتقاعد «جيورا ايلند» لمركز «بيجن ـ السادات للدراسات الإستراتيجية» فى نوفمبر الماضى بعنوان «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين» وتتحدث عن اقتطاع 720 كيلومترا مربعا من أراضى سيناء الملاصقة لقطاع غزة وضمها للقطاع لتأسيس «غزة الكبرى» مقابل إعطاء مصر أراضى إسرائيلية مساوية فى «وادى فيران» بالنقب، على أن تضم إسرائيل كل أراضى المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس لتأسيس دولة «إسرائيل الكبرى». مضمون هذه الدراسة سبق أن مهد له الوزير الإسرائيلي، بدون وزارة، أيوب قراس (درزي) فى تصريح له فى فبراير الماضى سبق لقاء بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب, قال فيه إن «ترامب ونيتانياهو سيعتمدان خطة لإقامة دولة فلسطينية فى غزة وسيناء». أما التسريب الثالث فيتعلق بحيثيات مشروع التسوية الذى يعده الرئيس ترامب تحت عنوان «صفقة القرن» من هذه التسريبات أنها «صفقة» عربية – إقليمية وليست فقط «فلسطينية – إسرائيلية» تنهى الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى وتؤسس لعلاقات صداقة وتعاون عربية- إسرائيلية، وتتضمن «إقامة دولة فلسطينية ليست فى حدود 1967، على أن يتم التفاوض لاحقاً على تبادل أراض». وتزامنت التسريبات مع ما نقلته وكالة «اسوشيتدبرس» عن مسئولين أمريكيين، لم تسمهم، تقول إن ترامب ينوى إعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد يكون هذا الاعتراف غدا الأربعاء، لكنه قد يؤجل، مؤقتا، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لحين إعلان مشروعه للتسوية الذى يقوم على قاعدة «تبادل الأراضي» وتؤكد جدية ما كشفه الوزير أيوب قراس عن علاقة سيناء بهذا التبادل للأراضي.
تسريبات ومعلومات تؤكد أن إسرائيل لم تفقد يوما أملها فى استرداد سيناء التى أصبحت «فى عين العاصفة» وعلاقة إسرائيل بالتنظيمات الإرهابية فى سوريا خاصة «داعش» و«النصرة» ترجح أنها قد لا تكون مبرأة عن التعاون معها فى سيناء، إذا كان ذلك يخدم مصالحها، وقد لا تكون لهذه التسريبات علاقة مباشرة بالجريمة الإرهابية الأخيرة التى وقعت فى بئر العبد، لكنها وغيرها من الجرائم تخدم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر الخطر الذى يتهدد سيناء، الأمر الذى يجب أن نأخذه باهتمام كبير فى إطار حربنا ضد الإرهاب وفى إطار حماية مصالحنا وأرضنا وأمننا القومى والرد بقوة على أى نية تستهدف ذرة واحدة من تراب مصر على نحو ما أكده سامح شكرى وزير الخارجية فى رده على تطاول الوزيرة الإسرائيلية.