المتتبع لأحوال العباد يرى عجبا وهموما وغالبا بسبب موجة غلاء عاتية قصمت الظهور من شدة أعباء الحياة، وحولت حياة الجميع إلى لهث مستمر بهدف تسديد أبسط المتطلبات، بل والعيش على حد الطفاف.
طال الغلاء كل شيء وكان العام الحالي 2023 الأسوأ على جموع الشعب بكل فئاته، نعم الغلاء موجة عالمية وهناك العديد من الدول تأثرت، ولكن في مصر الأمر مختلف لأسباب متعددة.
الحكاية ببساطة هي المعركة بين التجار والحكومة في السيطرة على الأسواق، والتي حسمت في أغلب الأوقات لتجار الأزمات الذين تاجروا في كل شيء، الأدوية والأطعمة والملابس والمواد الغذائية والعقارات، وصنعوا البورصات السوداء الخاصة بهم، والأسواق الموازية فيما يتعلق بـ الدولار وغيره.. طالوا كل شيء في حياتنا حتى تحكموا في مزاج المصريين عبر التحكم المبالغ في التبغ ومشتقاته.
نعم هذه هي الحقيقة، التجار هزموا الحكومة ودفع الشعب الثمن غاليا بعدما أصبحت معظم متطلباته الحياتية ليست في متناول يده، وأصبحت السلعة الواحدة تباع في المحل الواحد بأكثر من سعر على مدار اليوم، بل في الشارع الواحد بأسعار متفاوتة وفقا للعرض والطلب في غياب الأجهزة الرقابية المعنية عن القيام بدورها المنوط.
وشاهدنا جميعا قفزات ما أنزل الله بها من سلطان في أسعار السيارات والمواد الاستراتيجية الأساسية التي لا يستغني عنها أي منزل حتى وإن كان يحيا أهله على الكفاف.
رواتب الموظفين التي تركب ظهر السلحفاة لم تسعفها الزيادات المتقطعة لتلحق بارتفاعات الأسعار التي تركب صاروخ الغلاء الذي لا يرى ولا يرحم ولا تعنيه البطون الخاوية ولا الجيوب الفارغة ولا الأجساد المريضة، ولا مصروفات التعليم والعلاج وغيرها.. فقط هو معني بتكديس ثروات لتجار الأزمات فوق رقاب المصريين.
تبقى زلازل الأسواق المتوالية سر سوف ينقضي العام المر للأزمات بعد أيام دون الإجابة عنه، مما يجعلنا ونحن على أعتاب عام جديد وقد تخلى كلا منا عما يملك تقريبا في محاولة للنجاة على سطح سفينة البلاد التي كاد أن يغرقها هؤلاء المتاجرون بقوت الشعب، في محاولة للوصول إلى بر الأمان بسلام.
الحكومة تستطيع.. نعم، والدليل أنها عندما أرادت أن توقف تلك المهازل تدخلت وقررت تحديد أسعار 7 سلع استراتيجية بصورة جبرية وحددت اليوم والساعة لبدء التنفيذ، وقد كان لها ما أرادت وبمنتهى الدقة، وإذا كان الأمر كذلك ويد الدولة مازالت فوق رقاب الجميع فلماذا بدأ الانفلات يعود من جديد للأسواق وطال السلع الاستراتيجية من جديد؟
والأهم لماذا لم تحكم الدولة قبضتها على الأسواق وجميع المنتجات عن طريق فرض التسعيرة المناسبة؟ وأين جهاز حماية المستهلك من كل ما يحدث؟ وما هو دوره؟
والأهم حماية الأسواق والعباد من جشع التجار مسؤولية من؟ وما هي حدود تلك المسؤولية؟
باختصار.. يجب أن تبقى للحكومة هيبتها وقوتها في الإشراف والرقابة والمتابعة، فالمصريون جميعا في رقاب الحكومة، وتلك مسؤولية لا يجب التخلي عنها.
المستهلك بات يمثل الحركة الأضعف في ظل اقتصاديات العولمة المتشابكة التي خلقت اقتصاد عالمي موحد خاضع للتنافس الحر، في ظل سوق دولية مفتوحة، الأمر الذي تسبب في تضاءل دور الدول وأثر كثيرا في الصناعات الوطنية التي خار قوى معظمها أمام المنافسة الشرسة فأثرت بصورة مباشرة على المستهلك الذي أصبحت حمايته أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
تبقى كلمة.. لا يجب أن نغفل أن هناك مسؤولية تقع على عاتق المستهلك في حماية نفسه وأسرته وممارسته لدور فاعل فيما يتعلق باستخدام القرارات الرشيدة عند الشراء والاستهلاك.
المقاطعة الشعبية ربما كانت السلاح الأقوى والأكثر تأثيرا لكل ما على ثمنه وارتفع بصورة مبالغ فيها، وسلاح المقاطعة أو الاستغناء أكثر الأسلحة جدوى في مثل هذه الظروف، ولنا في السلع التي تم التخلي عنها للتصدي للشركات التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة المثل، حيث أجبرت تلك الشركات على النزول بأسعارها للنصف ومازالت المقاطعة مستمرة وخسائر الشركات متوالية.
على أعتاب العام الجديد نأمل في المزيد من التشريعات لضبط الأسواق، والتصدي لحيتان الأزمات وفرض شبكة حماية قانونية تكون حائط صد منيع لحماية أصحاب البطون الخاوية من سماسرة الأزمات.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية