بقلم – محمود نفادي
بعد مرور نحو ما يزيد على ٥ سنوات على أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ فإن واحدا من أخطر التداعيات السلبية على المجتمع المصرى هو هدم القواعد والأعراف المستقرة فقها وقانونا وفى مقدمتها قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، حيث سقطت تحت أقدام المليونيات الشهيرة ومنها مليونية «قندهار» لجماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها وتم الزج بالعديد من المسئولين فى السجون بعد هدم هذه القاعدة.
ولعل قضية «موقعة الجمل» الشهيرة هى أكبر دليل قاطع على نسف هذه القاعدة وتدميرها حتى صدر الحكم القضائى التاريخى ببراءة جميع المتهمين ولكن البعض ما زال يطارد ويلاحق من حصلوا على البراءة رافضا الحكم القضائى الذى أصبح باتا ونهائياً.
ورغم أن البعض تصور أن ثورة ٣٠ يونيو الخالدة والعظيمة فى تاريخ الثورات المصرية سوف تعيد هذه القواعد من جديد وخاصة قاعدة المتهم برىء حتى تثبت إدانته ولكن هؤلاء وخاصة ممن ينتمون إلى النخب السياسية والإعلامية أعادوا إلى أسماعنا ذكريات أليمة وحزينة عن تداعيات ٢٥ يناير والتمسك بقاعدة المتهم مدان حتى تثبت براءته.
وقد سارع هؤلاء فور الإعلان عن قضية فساد صوامع القمح وبدء مباشرة النيابة التحقيقات فى هذه القضية ولم يقدم أى متهم حتى الآن للمحاكمة القضائية، ولكنهم أصدروا الأحكام قبل كلمة القضاء العادل ووجهوا الاتهامات والإدانة للوزير المستقيل خالد حنفى رغم أننا لم نسمع صدور أى قرار من النيابة باستدعائه للتحقيق وسماع أقواله.
وبالتأكيد فإنى لست فى محل الدفاع عن وزير التموين المستقيل ولكنى فى محل الدفاع عن قاعدة قانونية أصيلة يجب أن نتمسك بها ونصر عليها ألا وهى «المتهم برىء حتى تثبت إدانته ليس بقرارات من النيابة ولكن بأحكام قضائية باتة ونهائية من القضاء العادل والشامخ» لأن هدم هذه القاعدة جريمة يحاسب من يرتكبها.
وقد لا يعرف البعض ممن يتبنون القاعدة المعكوسة «أن المتهم مدان حتى تثبت براءته» أن هذه القاعدة تسببت فى عزوف الكثير من الشخصيات المصرية الأكفاء أصحاب الخبرات عن تولى المواقع العامة بداية من موقع رئيس الوزراء ومروراً بالوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات والشركات بسبب القاعدة المعكوسة للنخب المشبوهة.
فالأرقام والبيانات غير الرسمية على مدار السنوات الخمس الماضية تشير إلى أن نحو ٤٥٠٠ مصرى ومصرية رفضوا واعتذروا عن عدم تولى المواقع القيادية فى الجهاز التنفيذى للدولة خشية أن تطبق عليهم قاعدة المتهم مدان حتى تثبت براءته وأن هذا سبب تولى البعض من أصحاب الخبرات المحدودة المناصب.
والغريب أن النخب السياسية والإعلامية الذين يتحدثون عن تطبيق نصوص الدستور ويدعون أنهم دعاة الدفاع عن الحقوق والحريات العامة هم أنفسهم من يهدم هذه القاعدة القانونية ويوجهون سهام الاتهامات دون دليل بل ويتسرعون بإصدار الأحكام وهو ما يتعرض له حاليا وزير التموين المستقيل خالد حنفى.
فأول مقومات بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة هى احترام قاعدة «المتهم برىء حتى تثبت إدانته»، وليس العكس وعلى كل من يهدم هذه القاعدة لأغراض فى نفسه أن يعلم أنه يهدم إحدى مقومات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ويساهم فى استمرار عزوف الخبرات عن تولى المناصب العامة وترك الساحة لغير الأكفاء وفرقة «عبده مشتاق». وأقول للجميع، ما هو الموقف إذا أثبت القضاء المصرى العادل والشامخ براءة الوزير المستقيل خالد حنفى من كل الاتهامات الموجهة إليه الآن سياسيا وإعلاميا فهل نملك محاكمة أصحاب هذه الاتهامات وهل نملك رد الاعتبار للوزير المستقيل أم نكتفى بكلمات اعتذار؟! ووقتها سوف نشيع قاعدة المتهم برىء حتى تثبت إدانته إلى مثواها الأخير