الكاتب الراحل محمد الرفاعي كان يكتب مقالًا أسبوعيًا تحت عنوان «يوميات مواطن مفروس». هو شخص جاد جدًا لكنه كان يكتب بـ«فَرْسّه» وغيظ في متابعاته اليومية للأحداث.. في الشوارع.. في الأسواق، في المرور، في المصالح الحكومية.
أظنني أصبت بعدوي الـ«الفَرْسّه والغيظ» مثله.. مفروس جدًا.. هذا الشعور يستبد بي، حتى أنه ينقلني من واقعي الحقيقي كصحفي، فاتخيلني وقد التحقت بالعمل كموظف متابعة في جهاز المحليات! تتلبسني رغبة عارمة في شغل هذه الوظيفة.. تراودني في أحلام يقظتي، لم أحلم بالثراء أو الفوز بقلب امرأة جميلة وإنما – ويالهول الحلم- العمل موظف بالمحليات! يتهمونها بأنها مفسدة.. ولكنني – رغم ضيق الحال – لا أفكر بها كوسيلة لتفريج ضائقتي، وإنما وسيلتي – كموظف افتراضي – مهموم بالسؤال كيف ولماذا الخ – في مكافحة الإهمال والفساد بشتى أنواعه وأساليبه.
يمزقني كل مليم – وكل وقت وجهد وعمل- يهدره شخص يعمل في أي موقع. تجربتي في الواقع تؤكد أننا لانحنوا على بلدنا الفقير كما ينبغي.. والأجدر بنا أن نخشى على المال العام، على الأقل كحرصنا على أموالنا الخاصة.. من هنا وبينما أنا أمر بطريقي على كل مكان في المحروسة ( من القاهرة إلى الإسكندرية ) أتخيلني عينت بهذه الوظيفة.
صحيح أنني لا يستهويني سوي مهنتي -بمعناها ودورها الحقيقي – ولكن هذه «الشغلانة» تسيطر على تفكيري كحل للتخلص من حالة الـ«فَرْسّة» إياها! مفروس من طريق كانت ممهدة ومرصوفة بالأمس واليوم بقروا بطنها وأخرجوا أمعائها، ليركبوا ما نسيوه من مواسير الغاز! ثم فعلوا الأمر نفسه بسبب التليفونات، ثم المجاري ثم خطوط الكهرباء والضغط العالي! وهكذا يعلو ضغطي وأتخيل أنني بحكم وظيفتي الجديدة حررت مذكرة رفعتها للمسئول لتحويلهم للتحقيق! يفرسني جدا أن ينتهي طريق بدأ العمل به إلى كومة من الركام والحفر العميقة، كأنها قنابل موقوته، أسال نفسي متي ستنفجر وتوقع الضحايا ومن سيكونون أنا وأولادي.. أم غيرنا؟!
أتساءل عن المسئول الكبير الذي ستقع هذه الكارثة في نطاق مسئولياته كيف وقع على كل أوراق تكسير الطريق المرة تلو الأخرى؟ وهل تفقده بعد انتهاء الأعمال فيه، ومن هو «الملاحظ» الذي ينوب عنه في الاستلام وهل يحاسبه إذا اكتشف جريمته وما الذي يفعله معه؟ أتساءل هل هناك تواطؤ أم اهمال؟ ولماذا إذا كان وزيرنا يهدد بإجراء محاكمة عسكرية لمن يقذفون زجاج القطارات بالحجارة أو يمزقون مقاعدها الجلدية، فلماذا لا نفكر في محاكمة هؤلاء المسئولين بنفس الطريقة؟
غريب أمري.. يشتغل الكثيرون بمهنة «أبو العريف الفتوجي»، فيؤيدون ما يستوجب المعارضة.. ويعارضون ما يستحق التأييد.. يتحدثون عن أمننا القومي مؤكدين أنه لا علاقة له بفلسطين، ويزعمون أننا نثير الاضطرابات بأثيوبيا، أو أننا نشتري المقاتلات لتهديد السد.. أما أنا المواطن المفروس- أعلاه وأدناه – فتشغلني مهام وظيفتي المتخيلة، وأنا أتحرك على الطرق، مشغولًا بترقيع الرصف في بعض أجزائها.. أو في محطة كهرباء تفتقر محولاتها لمقتضيات الأمن والسلامة، أو على ضفاف ترعة بعيدة عن القاهرة متخمة بالمخلفات وجثث الحيوانات، أو داخل تواليت محطة بنزين أو ميضأة جامع صنابيرها «خربانه» و«بتخر» مياه؟ أو عند كوبري مسطرد الذي تحول مقلب زبالة! تلك خطوطي العريضة عن مهام «شغلانتي» الجديدة !
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأخبار المحلية