في تطور بالغ الخطورة، أقدمت إسرائيل بالتنسيق مع الولايات المتحدة على تنفيذ هجوم استخباراتي نوعي ضد أهداف إيرانية، مستخدمة المجال الجوي السوري كمنصة لانطلاق طائراتها المسيرة، في عملية يمكن وصفها بأنها حملت بصمات الخداع الاستراتيجي، على غرار ما فعله الرئيس المصري أنور السادات في أكتوبر 1973، حين استطاع تضليل إسرائيل وتحقيق المفاجأة.
لكن ما حدث مؤخرًا يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: ما هي حدود الدور الأمريكي في العملية؟ وهل كانت بعض القوى الإقليمية على علم، أو ربما قدمت موافقات ضمنية؟ الأدهى من ذلك، أن القراءة الرمزية لما يحدث تشير إلى بُعد أيديولوجي خطير.. فهل نحن أمام حرب دينية تستلهم نصوص التوراة كما يروّج المتطرفون في إسرائيل؟
تفاصيل العملية تكشف أن إسرائيل اعتمدت على التضليل الإعلامي والتكتيكي، فأوحت بأن التصعيد بينها وبين إيران محصور في الحرب النفسية، بينما كانت التحضيرات الفعلية على قدم وساق لتنفيذ ضربة نوعية، كما أنها نشرت تقارير إعلامية مضلله عن خلافات بين نتنياهو وترامب، وأخرى عن الاستعدادات لحفل زفاف ابن نتنياهو وغيرها.
هذا الخداع ليس جديدًا على العقلية العسكرية، لكنه هذه المرة يحمل أبعادًا إقليمية أخطر، لأنه تم من الأراضي السورية، وبتنسيق أميركي، وربما بتواطؤ أو صمت إقليمي.
الولايات المتحدة، الحليف التقليدي لإسرائيل، اكتفت بالتصريحات المائعة، وكأنها “تفاجأت” بالضربة، لكن التسريبات تشير إلى تنسيق استخباراتي سبق الهجوم بأيام.
يبدو أن واشنطن اختارت هذه المرة لعب دور «القائد من الخلف»، مفضلة عدم الظهور العلني في مواجهة مباشرة مع إيران، خاصة في ظل مأزقها الانتخابي الداخلي وتراجع هيبتها في الإقليم.
ربما يكون السؤال الأخطر في هذه العملية هو: هل كانت دمشق على علم؟ هل تمت العملية رغمًا عن الإرادة السورية أم بتفاهم ضمني مع قوى موجودة على الأرض؟ سوريا، التي لا تزال تعاني من انقسام سيادتها الجوية نتيجة الوجود الروسي والإيراني والتركي، باتت مجددًا ساحة لتصفية الحسابات، وهذه المرة بين تل أبيب وطهران.
في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، يتكرر مصطلح «الأسد الصاعد من يهوذا»، في إحالة مباشرة إلى النبوءات التوراتية عن قيادة إسرائيل «للأمم» في معركة النهاية.
هذا التصعيد الأيديولوجي يشير إلى تحول خطير في عقيدة الدولة العبرية، من حسابات الأمن القومي إلى استخدام الدين كغطاء للعدوان.
وهو ما يعزز فرضية أننا بصدد مرحلة جديدة من «الحروب الدينية» التي قد تلهب المنطقة وتعيدها إلى صراع الهويات المقدسة.
- رد إيراني محسوب: طهران تدرك أن التهور لن يخدم مصالحها، لكن الرد قادم، وربما عبر وكلائها في المنطقة، من لبنان إلى العراق، أو حتى استهداف مصالح إسرائيلية خارج المنطقة.
- تأهب إقليمي: دول الجوار ستدخل في حالة استنفار سياسي وعسكري، خاصة تلك التي تخشى جرها إلى الصراع دون إرادتها.
- احتمال التصعيد في غزة أو الجنوب اللبناني: لتخفيف الضغط عن إيران، قد يلجأ «محور المقاومة» إلى فتح جبهات جانبية تستنزف إسرائيل.
- حراك دبلوماسي دولي: روسيا والصين قد تستغلان الموقف لإدانة العدوان الإسرائيلي، ومحاولة كسب أوراق ضغط ضد واشنطن.
يبقى السؤال الجوهري: من يوقف إسرائيل قبل أن تُشعل حربًا لا تبقي ولا تذر؟ هل ينتبه العالم إلى أن إسرائيل لم تعد تبحث فقط عن أمنها، بل عن دور «إلهي» موعود يدمر المنطقة باسم الرب؟ إن الحرب حين ترتدي عباءة الدين لا تكون ككل الحروب.. إنها نهاية العقل وبداية المجازر.