مع السلامة يا عم سيد حجاب، فأنت الشاعر الذى عَبر عن جيلنا، وكتب ما نشعر به قبل أن تنطق به ألسنتنا! مع السلامة يا عم سيد حجاب، فى أمان الله يا صاحب الكلمة والموقف والرأى، لم تطأطئ الرأس ولم تركع لصاحب سلطة، ولا
صاحب مال، ولم تفتن بالجاه والرفاهية التى عُرضت عليك، فلم تقبل سوى العيش بما يعبر عن أفكارك، ويعكس ما بداخلك، فكنت متسقًا مع ذاتك، مستقيمًا متوازيًا مع خط سير ضميرك الذى ظل حيًا حتى مماتك، فعشت مرفوع الرأس ورحلت وأنت تقول كلمة حق!
هل تذكرون كلماته التى كسرت ضلوعنا، فى أيام الألم، لقد عاش مؤمنًا بحق هذه الأمة فى الحياة الحرة الكريمة، وأبى إلا أن يموت يوم 25 يناير، فى ذكرى الثورة التى شارك فيها، ودافع عنها ضد من يريدون لها الموات والاندثار والنسيان، فكانت رسالة أقوى من زلزال الكلمات الهادرة التى صدرت دفاعًا عن الثورة، البريئة الطاهرة من دنس السياسة، وألاعيب الجماعات، فرحل الرجل يوم 25 يناير ليقول للجميع، لا تلعنوا يناير فهى أيام الكرامة الإنسانية، التى أعلنا من خلالها أننا لن نُستعبد بعد اليوم!
سيد حجاب هو ابن بيئته، وكانت نشأته فى مدينة المطرية بالدقهلية، مدينة الصيادين الصغيرة على ضفاف بحيرة المنزلة، ولذلك كان شعره قريبًا فى تداخلات كلماته، من طريقة الشعر التى يقولها الصيادون فى أغانيهم وغزلهم للكلمات، فكان شعر سيد حجاب، يشبه شِباك الصيادين، ولذلك ليس غريبًا أن تسمعه يقول:
الغش طرطش.. رش ع الوش بُوية/ما دريتش مين بلياتشو.. أو مين رزين/شاب الزمان.. وشقيقى مش شكل أبويا/شاهت وشوشنا.. تهنا بين شين وزين/ولسه ياما وياما ح نشوف كمان/وينفلت من بين إيدينا الزمان.
سيد حجاب أيضًا هو ابن مرحلته، فهو من مواليد 1940 ولذلك كان شاهدًا على مرحلة التحول الاجتماعى الخطيرة التى شهدتها مصر بين أعوام 52 و53 و54 ثم مرحلة النكسة التى تسببت فيها طريقة عمل سياسى فاشلة، وانعكس هذا التحول على شعره حتى أنه كتب ما يعبر عن هذه المرحلة التى تميزت بزيادة جرعة الانكسار فيها، وقال: منين بيجى الشجن.. من اختلاف الزمن/ومنين بيجى الهوى.. من ائتلاف الهوى/ومنين بيجى السواد.. من الطمع والعناد/ومنين بيجى الرضا.. من الايمان بالقضا/من انكسار الروح فى دوح الوطن/يجى احتضار الشوق فى سجن البدن/من اختمار الحلم يجى النهار/يعود غريب الدار لـ أهل وسكن/ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء/وواخدنا ليه فى طريق ما منوش رجوع/أقسى همومنا يفجر السخرية/وأصفى ضحكة تتوه فى بحر الدموع/ولفين ياخدنا الأنين/لليالى ما لهاش عينين/ولفين ياخدنا الحنين/لواحةالحيرانين/ما تسرسبيش يا سنيننا من بين ايدينا/ولا تنتهيش ده احنا يا دوب ابتدينا/واللى له أول بكرة حيبان له آخر/وبكرة تفرج مهما ضاقت علينا.
سيد حجاب قبل أن يرحل، قال لزميلنا عادل الدرجلى فى صحيفة (الوطن) منذ عدة أشهر، كلامًا خطيرًا شعر به الجميع، عقب أجراء انتخابات مجلس النواب، فقد قال نصًا، وهو عضو لجنة الخمسين المنتهى عملها: (البرلمان الحالى مٌعرض للانهيار لأنه لا يُعبر عن إرادة الأمة، بعد انصراف الناخب عنه بسبب تقسيم التورتة بين المال السياسى والأمن)..أليس هذا ما يشعر به المواطن الآن، وهو يتابع ما يحدث الآن داخل المجلس، الذى يتبادل نوابه الاتهامات، ويواجه بعضهم شراء رئيس المجلس لسيارات مصفحة يتجاوز ثمنها 18 مليون جنيه قبل تعويم العملة، فى بلد فقير، وخارج للتو من محنة!! فعلًا ياعم سيد حجاب هذا البرلمان مُعرض للانهيار وعمره قصير لأنه لا يُعبر عن الأمة!!
رحمة الله عليك يا عم سيد..عِشت صاحب كلمة، ورحلت عنا وأنت لا تقول إلا الحق.