منذ نعومة أظافرنا قبل سنوات طوال ونحن قد حفظنا عن ظهر قلب جملة شهيرة موحدة لقننا إياها خطباء المساجد يوم الجمعة، يتردد صداها عبر مكبرات الصوت لتملأ سماء الدنيا «اللهم أهلك اليهود ومن ساندهم.. اللهم شتت جمعهم وفرق شملهم».
وكنا صغارًا نُؤمِّن خلف إمام المسجد ولا نعي للجملة المكررة معنى، وكبرنا وكبرت عقولنا فأدركنا معنى الخزي العربي والعار واحتلال الأرض، وتحول تأمين الأطفال بلا وعي من الدعاء إلى حسرة وألم في الكبر لعقول باتت تعي ولكنها لا تملك غير الدعاء سلاحاً.
المغزى من الحكاية أنه منذ وعد بلفور المشئوم وظهور السرطان الإسرائيلي في الجسد العربي وحتى يومنا هذا وربما لسنوات كثيرة مقبلة، وهذا الدعاء عادة لا تنقطع على لسان المسلمين حول العالم، والذين فاق عددهم الآن المليار مسلم، تتلاحق دعواتهم إلى عنان السماء يوم الجمعة من كل أسبوع نظراً لفروق التوقيت ولم تُستجب دعوة منها.
هذا هو السؤال المحير: لماذا حجب الله سيل الدعوات دون الاستجابة طوال هذه السنوات الدموية؟ وبعد بحث وتمحيص تيقنت أن الدعاء وحده لا يكفي وأن التواكل دون العمل هو سلاح الضعفاء والمقهورين، والله رب العزة والكرامة والمستضعفين شريطة أن يعملوا ويردوا الظلم ولا يقفوا مكتوفي الأيدي مسلوبي الإرادة.
المسلمون حول العالم هانوا فهانت عليهم أنفسهم، أقيمت لهم المحارق والمذابح وحفر لهم الأخدود والمشانق.. نسوا الله فأنساهم أنفسهم، تفرقوا فتكالبت عليهم الأمم، تآمروا على بعضهم البعض، وملّكوا زمام أمرهم لغيرهم، فزادهم الله بعداً، وها هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يتحكم بها وبأهلها اليهود ومن ساندهم من أعداء الداخل والخارج، يدنسون المقدسات وتروي ترابها بحور الدماء الطاهرة.
الشعب الفلسطيني يذبح ويشوى في محارق اليهود، والمسلمون والعرب يكتفون بمصمصة الشفاه، وبيانات الشجب العربية التي فاقت في مرارتها حكايات «أمنا الغولة- وأبو رجل مسلوخة»، حتى تحولت غزة إلى أكبر مقبرة مفتوحة في التاريخ.
أصبح الفلسطينيون الآن لا يحتاجون إلى الماء ولا الدواء ولا الكهرباء، وإنما يحتاجون إلى أكفان تستر عورات الخزي العربي والإسلامي، وتشتكي إلى الله أبناء أضاعوا أمتهم لأنهم تفرقوا فتكالبت عليهم الذئاب من كل صوب.
تبدل الزمان وتغيرت الأيام فما عاد بيننا رسول، ولا عمر بن الخطاب أميراً للمؤمنين، ولا «معتصماه» يحشد الملايين ليحرر امرأة استنجدت به على بعد آلاف الأميال.
الحقيقة المرة.. الآن هناك شعب يُذبح وأرض يبتلعها الطغاة، وأمة فرقتها الصراعات ووحدتها مصمصة الشفاه.. أفيقوا يرحمكم الله، فلستم بمأمن من أنياب الشيطان.
للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا
اشترك في حسابنا على فيسبوك و تويتر لمتابعة أهم الأ خبار المحلية