بقلم – خالد خليل الصيحي
قال لى مواطن عربى أثناء تحاورنا: باعوا بلادنا!.. قلت: من هم؟!.. قال: حكوماتنا!.. قلت: كيف؟!.. قال: بخصخصة مشاريعنا!.. قلت: الخصخصة هى عملية إصلاح لخطأ إسناد إدارة المشاريع فى البلاد إلى الحكومات، فلقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك بمرور الأيام والشهور والأعوام فشل المشاريع التى أنشئت فى كثير من البلاد تحت مسمى القطاع العام الذى حَوّلَ العاملين فيه فى كل مكان إلى مومياوات ليس فيها حياة وغير قادرة على الإنتاج والتطوير والإبداع، وتحوَّلت فيه القرارات إلى كُرات تتلاعب بها الأقلام، ومن ثم صار يتأخر إلى الوراء بدلًا من أن يتقدم للأمام.
فالبلاد التى اعتمدت على القطاع العام أصبح أهلها فقراء، وأضحت حكوماتها غير قادرة على الوفاء بما عليها من التزامات، وأمست أحوالها لا تسر سوى الأعداء.. أما البلاد التى رعت القطاع الخاص فأهلها يعيشون فى رخاء، وحكوماتها قادرة على الوفاء بالالتزامات ودفع عجلة الحضارة إلى الأمام.
ونحن لا نريد لمشاريعنا أن تكون متاحف تمتلئ بالمومياوات، وإنما نريدها مصادر للإنتاج والتطوير والإبداع بفعل أناس تنبض قلوبهم بالحياة كما هو الحال فى مشروعات القطاع الخاص الذى يرفع قدر البلاد والمستوى المعيشى لما فيه من مجتمعات.
إن الزائر فى أواخر الثمانينيات لكل من الدول الرأسمالية التى تبنت القطاع الخاص، والدول الاشتراكية التى تبنت القطاع العام، كان يستطيع بمجرد النظر أن يلمس مدى تأثر الشعوب فعليًا بالنظامين المتباينين إيجابًا أو سلباً: يرى ما يسر هنا، وما لا يسر هناك.. نشاطًا هنا، وكسلًا هناك.. الرجل المناسب فى المكان المناسب هنا، وتحول بينهما الوساطة هناك.. غنى هنا، وفقرًا هناك.. أسواقًا مليئة بالطيبات وكل الثمرات هنا، وأسواقًا ليس فيها إلا القليل من الخيرات والثمرات هناك.. بضائع مكدسة على الأرفف هنا، وأرففًا تكاد تخلو من البضائع هناك.. شوارع مضاءة هنا بأنوار وكريستالات، ومثلها تكاد تكون مظلمة هناك.. أطفالًا تنبض قلوبهم يمرحون فى الحدائق هنا، وأصنامًا حجرية أو معدنية لموتى فى قبورهم تقف فى حدائق الميادين هناك.. المستقبل يشرق هنا، والماضى لم يغرب بعد وما زال يسطع هناك!
إن وزن وحجم الدول والبلاد يتناسب طرديًا مع عدد وقدر ما فيها من رجال أعمال لا مع عدد وقدر ما فيها من شركات القطاع العام. وكلما ازداد وزن وقدر رجال الأعمال فى بلد من البلاد تقدمت للأمام وعَمَ فيها الرخاء.
لقد عانت دول عربية وغير عربية من خسائر القطاع العام الذى قلما يحقق أى أرباح ولا يوفر للدول دخلًا يمكن أن يوضع فى الحسبان كإيراد لأنه ليس له مُلاك أو أصحاب، بل كانت تلك الدول كثيرًا ما تسدد خسائر هذا القطاع، فاضطرت الحكومات هناك للإقدام على بيعه من باب الإصلاح عسى أن يشتريه أناس أصحاب خبرات فيديرونه بحرص صاحب رأس المال، ويحولون خسائره إلى أرباح، ويصبون فى خزائن تلك الدول كضرائب نسبة متفق عليها من تلك الأرباح، ويوظفون مزيدًا من العمال فيساهمون فى حل مشكلة البطالة التى طالت فى بلادنا الشباب.
غير أن ما يدخل فى قلوبنا الأحزان هو أن بعض تلك المشروعات بيعت فى بلادنا بأبخس الأثمان، ومن المؤسف حقًا هو إحجام أصحاب رؤوس الأموال العرب عن شراء الكثير من شركات القطاع العام التى عرضتها للبيع فى بلادنا الحكومات التى اضطرت إلى أن تبيعها لأغراب لاكتهم ألسنة بعضنا بالشائعات.
يجب أن نوفر مناخًا سياسيًا واقتصاديًا يعمل كرحيق لجذب المستثمرين ورجال الأعمال الوطنيين وغير الوطنيين، نريد أن تكون بلادنا ورش عملهم، فالدول كلها تفتح أحضانها لهم مرحبة بهم وتتسابق لجذبهم بتحقيق الاستقرار السياسى وبتقديم التسهيلات وبمنح المزايا وبتوفير وسائل الأمن والأمان، فرأس المال جبان. والمستثمرون كالطيور يفرون فى الحال من الأماكن والأجواء التى ينعدم فيها الأمان.